موقع الجزائر في «القاعدة وأخواتها»؟
ما لا يقال
ما لا يقال
عبد العالي رزاقينشر في الشروق اليومي يوم 02 - 07 - 2008
تعرفت على كميل الطويل عام 1993 عندما كان يعمل صحفيا في »الحياة اللندنية« وازدادت معرفتي به عندما أصدر كتابه الأول "الحركة الإسلامية المسلحة في الجزائر"، وهو الصحفي الوحيد، في الوطن العربي، ممن يثق فيه المسلحون في الجزائر بحكم أنه كان يدير أخبار التيار المسلح في جريدة كانت تعتبرها السلطات الجزائرية »عدوها الأول« وتصفها الدوائر الرسمية ب (الناطق الرسمي) باسم »الإرهاب« في الجزائر.
*
*
عندما ربطت السلطة علاقة مع »جريدة الحياة« قامت بدعوته لزيارة الجزائر، وكانت نتيجة هذه الزيارة هو توسيع دائرة علاقاته، مما أعطى لكتاباته مصداقية، فجاء كتاب »القاعدة وأخواتها«، نهاية العام الماضي »وثيقة« تحمل الكثير من المعلومات، وهو ما يدفعني إلى التوقف عندها لعل القارئ يكتشف من يقل وراء »الإرهاب في الجزائر«.
*
*
وشاية تحوله إلى زعيم جهادي!
*
ينقل مؤلف »القاعدة وأخواتها« عن بوجمعة بونوة (عبد الله أنس) كيف كان قاري سعيد إلى جانبه عند أحمد شاه مسعود بأفغانستان، ويروي قصة تلفيق معلومات حول (أسد بانجشير) لمحاكمته في تقرير مكتوب بالعربية يتهم أحمد شاه مسعود بأنه يوفر (مضافات للعري والسباحة للنساء) في جبالأفغانستان، من بين موقعه محمد هارون، وهو الاسم الذي أطلقه على نفسه قاري سعيد، وأثناء المحاكمة تبين أن التهمة باطلة، ولكن من كانوا في خط باكستان لم يعترفوا ب (الوشاية) لتشويه رموز الحركة المسلحة الأفغانية.
*
وعندما وقّع السوفيات وثيقة الانسحاب من أفغانستان في سبتمبر 1988، تحول »مكتب الخدمات« الذي كان يستقبل المجاهدين إلى »القاعدة« بقيادة أسامة بن لادن، وبدا »المجاهدون العرب« يبحثون عن »مصدر قوت جديد«.
*
بدأ ب 15 مجاهدا ليصلوا إلى 2000 بعد خروج الاتحاد السوفياتي من أفغانستان وكان الأفغانالجزائريون أول من سعى لتأسيس المنظمات الإرهابية في الجزائر، فبعد اتصال قاري سعيد بجماعة المرحوم مصطفى بويعلى، وهما عبد القادر شبوطي ومنصور الملياني، تمسك الشبوطي بالتنظيم الإسلامي الذي ينتمي إليه وهو »حركة الدولة الإسلامية« في حين إنساق الملياني وراء تنظيم قاري سعيد، وبالرغم من أن اسم »الجماعة المسلحة« موجود في أبجديات الجماعات الأفغانية إلا أن العيادة يوضح للمؤلف بأن »الجماعة الإسلامية المسلحة تأسست في »تمزقيدة« بأعالي المدية، ويذهب إلى التأكيد بأن »الختم« صنع أمام عينيه!
*
ولأن قاري لم يكن يفرق بين مركز البريد ومركز الشرطة فقد اعتقل في فيفري 1992 وبيده قنبلتان يريد تفجيرهما، حسب ما ورد على شاشة التلفزة الجزائرية آنذاك. وكل مؤسس (الجماعة الإسلامية المسلحة) يقدم رواية لتأسيسها حتى يكون بطلها، في حين أن الحقيقة هي عند »الأفغان الجزائريين«فقط، لأن من يدّعي نسبة »الجماعة« إلى الحديث النبوي الشريف (مازالت جماعة من أمتي بخير لا يضرهم من خالفهم) يتجاهلون الرواية الأخرى للحديث »مازالت عصابة في أمتي«، ومن نصّب العيادة أميرا هم ثمانية اجتمعوا في منطقة براقي بحضور العيادة واختاروه أميرا لهم بحكم كبر سنّه بين الحضور.
*
ومن المفارقة أن المؤلف ينقل عن العيادة أنه ذهب إلى المغرب لطلب الوساطة من الحسن الثاني، علما بأن الصراع آنذاك كان قويا بين الأجهزة، لأن ما نقله الجنرال خالد نزار على لسان الحسن الثاني هو أن يكون مقابل تسليمه للجزائر التنازل عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
*
*
الجريمة في الداخل والفتوى في لندن!
*
من يتعمق في كتاب كميل الطويل »القاعدة وأخواتها« يكتشف حقائق مخيفة ف (الجريمة المنظمة) فيالجزائر كانت تقف وراءها أجهزة أمنية خارجية، عبر شيوخ يحملون جنسيات غير جزائرية.
*
فقد تأسست »نشرة الأنصار« في لندن عام 1993 وعلى رأسها رشيد رمدة الذي كان أحد رجال قاري سعيد وغيره، ويؤطرهم عمر أبو عمر الفلسطيني المدعو »أبو قتادة« القادم من بيشاور، وهو يعتبر جرائم الجماعة الإسلامية المسلحة »جائزة شرعا«، والتحق به رجل الأمن السوري السابق، كان في أفغانستان وهو عمر عبد الحكيم المدعو أبو مصعب السوري، والمفارقة الأخرى أن »المقاتلة الليبية« والتي تسمى »الجماعة الإسلامية المقاتلة« بعثت بفريق من 15 جهاديا إلى الجزائر وهم من الليبيين الأفغان بقيادة عبد الرحمان الحطاب أحد القياديين المؤسسين لها.
*
والملاحظة التي سجلها »الوجود العربي« في الجماعات المسلحة بالجزائر هو أن التنظيم لا يملك »عمقا دينيا«. ويكشف تقرير ل (المقاتلة) بأن »الجماعة المسلحة في الجزائر تضم عناصر منحرفة، في شكل كبير في فهمها للدين، وأن لا دين لهم ولا أخلاق« (ص 132 الكتاب).
*
كان أسامة بن لادن يوسع قاعدته في الوطن العربي، وينقل المؤلف عن المختار بن محمد بلمختار المكنّى (أبو العباس خالد) أمير المنطقة الصحراوية في »الجماعة السلفية للدعوة والقتال« التي جاءت على أنقاض الجماعة الإسلامية المسلحة أنه كلف بالاتصال بالقاعدة عندما كانت في السودان، وصارت »الخرطوم هي المحطة الأساسية التي يتم منها إرسال المقاتلين إلى الجزائر«، وتدخلت »الجماعة المسلحة« لدى جماعة السودان لأن تكون »الممثل الوحد والشرعي« للجهاد في الجزائر في ضوء ما يسمى بوحدة 1994 التي ضمت جناحا من الإنقاذ بقيادة محمد العيد، وآخرين (حركة الدولة الإسلامية) بقيادة السعيد مخلوفي.
*
والسؤال الذي كانت تطرحه التنظيمات الإرهابية لماذا نبدأ من الجزائر؟ وكانت الإجابة هي أن فيها »جماعة قوية لها شوكة«. ويبدو أن »مفتي الجماعة« أبو بصير زار بن لادن في الخطروم عام 1995 عند تسلم قيادة الجماعة الإسلامية المسلحة جمال زيتوني عام 1994، بدأت تنحو نحو مزيد من الغلو والتشدد« بسبب فتاوى شيوخ لندن، تحركت الأجهزة الأمنية البريطانية والفرنسية لإجراء اتصالات مع قياداتها، فأبو مصعب السوري يتحدث عن لقاءات الأمن البريطاني معه ويقدم عمر شيخي (أمير الأخضرية السابق) للمؤلف رواية طريقة اغتيال محمد السعيد وعبد الرزاق رجام، وهو أن القرار اتخذه زيتوني وزوابري واثنان آخران، وحين تفشىالخبر أثار زوبعة في (فنجان) قيادات الجماعة، بدأ شيوخ فتاوي لندن يتخوفون من فقدان مواقعهم، بالرغم من أنهم من كتاب »نشرة الأنصار«، وحتى يتم تضليل الرأي العام وقّع الشيخان بيانا ينفيان علمهما بقتل الجماعة المسلحة لمحمد العيد وعبد الرزاق رجام. وينقل الكاتب معلومات تقول إن الليبيين وقعوا في شباك جماعة يقودها مصطفى كرطالي (ص 220)
*
والمفارقة أنه عندما فقد الشيخان أبو مصعب وأبو قتادة موقعهما في التيار الإسلامي ظهر مفتي جديد وهو الشيخ أبو الوليد وهو يقسم المجتمع الجزائري إلى ثلاث دوائر:
*
1 دائرة المجاهدين وهي الأنقى والأتقى
*
2 دائرة الحكومة وهؤلاء كفار
*
3 - دائرة في الوسط وهي دائرة المتعاونين مع الدولة والموظفين
*
وهكذا اتصلت الجماعة الإسلامية المسلحة بالشيخ أبو الوليد ليكون مفتيها الجديد.
*
لكن مجيء عنتر زوابري وإصداره بيانا يكفر فيه الشعب الجزائري أدى إلى التقاتل بين الجماعات المسلحة. المفارقة أن أبو الوليد لم يستطع أن يكون في مستوى أبو مصعب وأبو قتادة، وبالتالي جاء شيخ آخر، وهو المصري مصطفى كامل المشهور ب (أبو حمزة المصري) وحاول الاستيلاء على فكر الجماعة المسلحة، كان إعلام المسلّحين يدر الدولارات على شيوخ الفتوى. ولهذا كان الصراع محتمدا بين مجموعة من شيوخ يمتهنون الفتاوى لتضليل الرأي العام، وإعطاء شرعية لتشويه الإسلام والمسلمين في الجزائر.
*
صحيح أن الخرطوم كانت ملجأ للجماعات الجهادية، وصحيح أن السعودية كانت محطة لنقلهم إلى أفغانستان، ولكن غياب الحريات في الوطن العربي هو الذي سمح للكثير ب (المتاجرة) بالإسلام.
*
*
إرهابيون ولائكيون ضد المصالحة!
*
حين وقّع قيادون في الأحزاب الإسلامية والوطنية وشخصيات تاريخية مثل أحمد بن بلة على »عقد روما« أو العقد الوطني، كان أول رد فعل هو تصريح أحمد عطاف، وزير خارجية في حكومة أحمد أويحي، في عهد اليامين زروال بأن ما جرى هو »اللاحدث«.
*
ومن حق الحكومة أن تندد بذلك، لأن المصالحة كانت في مستوى الإرهاب قبل مجيء بوتفليقة.
*
لكن المثير للانتباه أن شيوخ فتاوى الجماعة الإسلامية المسلحة والمنشورات المحسوبة على الإنقاذ في الخارج، صاروا في اتجاه الحكومة. فقد أصدر أبو مصعب السوري، مفتي الجماعة في لندن كتابا هاجم فيه (عقد روما) مستندا إلى أساس يتناقض مع وجود هؤلاء الشيوخ في بلدان الكفرة، يقول أبو مصعب: »إن موقّعيه اجتمعوا تحت أطلال الصليب وتحالفوا مع مرتدين«.
*
يعتبر كاميل الطويل عام 1997 سنة انهيار مشاريع »الجهاديين« في الجزائر وليبيا ومصر، »لم يسقط الجهاديون لا جماهيرية العقيد في ليبيا ولا من وصفوهم ب »الطغمة« في الجزائر و »الفراعنة« في مصر، وكان على التنظيمات المسلحة في هذه البلدان أن تراجع نفسها وتبحث عن أخطائها علّها تتعلم درس فشلها«. وينسب المؤلف إلى حسان حطاب قوله بأن »علاقة الجماعة السلفية« بأسامة بن لادن و(القاعدة) لم تتطور سوى بعد تولى صحراوي للإمارة«، مؤكدا أنه »منذ نشأة الجماعة السلفية إلى غاية انسحابي منها لم تكن لها علاقة بالقاعدة البتة«.
*
كتاب »القاعدة وأخواتها« من المراجع المهمة لفهم الصراعات داخل التيار الإسلامي المسلح، ودور الإخوان المسلمين في نشر الفكر الجهادي، وإذا أردنا أن نتعمق أكثر في الظاهرة الإسلامية المسلحة فعلينا بدراستها عبر محطات مهمة وهي:
*
1 المحطة الأفغانية وكيف جندت أمريكا التيار الإسلامي لضرب مصالح الاتحاد السوفياتي، وتعاون أنظمة خليجية معها.
*
2 المحطة السودانية وهي كيف وفّر التيار الإسلامي في السودان لبقية التيارات الإسلامية منابر لكنها استخدمت لأغراض أخرى.
*
3 المحطة الجزائرية وهي تمثل الميدان التطبيقي للجريمة، في حق شعب، أراد أن يقف إلى جانب الإسلام المناهض لمنطق »الحزب الواحد«، فوجد نفسه عند »الجزار الواحد«، وظاهرة ممارسة الجنس على الأطفال ظهرت في الصراع الذي كان دائرا بين المخابرات المصرية والجماعات الجهادية في السودان، وظاهرة الاختطاف والاغتصاب، و»الزواج بالذكور« ظهرت في الجبال بين الجماعات المسلحة، ويمكن الرجوع إلى محكمة البليدة لمعرفة مصير الشكوى التي رفعها أحد المواطنين ضد أحد الأمراء بسبب اختطاف ابنه للزواج به!.
*
4 المحطة اللندنية كانت مأوى لأصحاب الفتاوى التي تبيح الاغتصاب والاختطاف والقتل لأبناء الجزائر، وعلاقة »المجتمع المدني والخيري« بالمخابرات البريطانية والفرنسية والأمريكية.
*