نحو استراتيجية لتطوير الأداء الإعلامي
في المنظمات الأهلية
²إعداد: الصحفي / محسن الإفرنجي ²
لم يعد بإمكان أي مؤسسة من المؤسسات الأهلية أو الرسمية أن تحقق أهدافها و تقترب أكثرمن قاعدتها الجماهيرية العريضة و تطلع الجمهور على إنجازاتها و وواقعها و التحديات التي تواجهها بعيداً عن وسائل الإعلام المختلفة.
و لم يعد كذلك كافيا للمؤسسة أن تنفذ بعض الفعاليات و النشاطات لتعكس من خلالها صورة إيجابية عنها أمام المجتمع دون وجود إستراتيجية إعلامية متكاملة الجوانب و الأركان و ليست عملاً عابراً أو ردة فعل على حدث أو نشاط موسمي سرعان ما تتبخر نتائجه، خاصة أن ساحة العمل الأهلي واسعة جداً.
و إن لم يكن لمؤسستك تواجداً إعلامياً واضحاً و ناجماً عن فعل حقيقي سينتهز الفرصة آخرون غيرك و إن لم يكن عطاؤهم بنفس الدرجة و المستوى كماً و نوعا، لذا فإن الحاجة إلى التطوير والتجديد حاجة ملحة وملازمة لأي عمل ناجح بل وضرورة من ضرورات التميز والإبداع, ولاشك أن الإعلام يقف على رأس تطوير المنظمة على اعتبار أنه يمثل وجه المؤسسة وصورتها المشرقة أمام الجماهير والفئات المرتبطة بها.
مفهوم وماهية التطوير:
تطوير الأداء الإعلامي الذي نقصده لا يعتبر عملا عابرا أو دورة تنعقد أو دليلا يتم إعداده أو بيان نصدره أو غير ذلك بل المقصود به استراتيجية ومنهجية وسياسة تتم وفق التخطيط السليم وترتيب الأولويات وتحديد الاحتياجات وما إلى ذلك من عناصر يمكن أن تسهم بفاعلية في تدعيم مكانة المؤسسة وتعزيز رسالتها.
و حتى تكتمل صورة التطوير و نلمسه بصورة أكثر وضوحاً ينبغي وضع مجموعة من المعايير و المؤشرات الدالة على التطوير لنتمكن بعدها من قياس مدى التطور الذي تحقق.
و يمكننا صياغة علاقة الإعلام بالعمل الأهلي في النقاط التالية:
1- العمل الأهلي بدون إعلام سيظل محصوراً داخل دائرة ضيقة, ولا يحقق واحداً من أهم أهدافه وهو الوصول إلى كل المجتمع وطبقاته.
2- الإعلام له دور هام و أساسي في تقديم صورة ذهنية معينة عن العمل الأهلي بما يعزز مصداقيته لدى المجتمع.
3- ضرورة التفريق بين الدعاية الشخصية لمسئولي المشروع أو المنظمة الأهلية نفسها, وبين الإعلام عن الأهداف الحقيقية والإنجاز الفعلي لها.
4- تفاعل الإعلام مع الأفكار المعوقة للنشاط الأهلي و طرحها للنقاش من خلال الوسائل المختلفة.
5- ضرورة إسهام الشخصيات الإعلامية الأكثر قبولاً لدى القراء في الكتابة والترويج لأفكار العمل الأهلي وأغراضه وأهميته.
6- الحرص على ابتكار أشكال جديدة للإعلام و بوسائل مستحدثة لنقل رسالة المؤسسة, وأن يقوم بالإعلام مهنيون ذوو مستوى من الكفاءة والخبرة المهنية العالية, لتقديم مادة إعلامية مقروءة أو مسموعة, تجذب المتلقي وتشده.
7- أجهزة الإعلام داخل المنظمة الأهلية – إن وجدت - ما زالت تمارس عملها بروتينية كموظفين عاديين, دون إدراك حقيقي لأهمية الإعلام ودوره ورسالته لذا نجد أحياناً كثيرة أن رسائلها الإعلامية قاصرة على لقاءات المديرين, و اجتماعاتهم, و استقبالاتهم وليس عن نشاط المنفذين الفعليين للبرامج والمشروعات والخدمات و المستفيدين من هذه المشروعات.
8- أهمية تطوير مفهوم الاتصال و الإعلام لدى المنظمة الأهلية على اعتبار أنه ليس مقصوراً على الوسائل التقليدية المتعارف عليها, ولكنه يشمل الملصق و المطوية و الفيلم الوثائقي و التسجيلي و المواقع الإلكترونية و غيرها.
أبعاد وركائز الاستراتيجية الإعلامية المقترحة:
و تعتمد الاستراتيجية الإعلامية المقترحة لتطوير الأداء الإعلامي للمنظمات الأهلية على النقاط التالية التي تشكل بداية يمكن تطويرها و تدعيمها أكثر من خلال التجربة:
1/ فلسفة التطوير: والمقصود بها هنا ضرورة اقتناع إدارة المؤسسة بالتطوير والتغيير و حاجتها إليه, وإدراجه ضمن خطة تطويرية تفصيلية لها موقعها التنظيمي ومكانتها المعنوية و ميزانيتها المادية.
2/ التطوير الذاتي: ويشمل التطوير الذاتي عدة عناصر أهمها:
أ/ تطوير مهارات الأفراد القائمين على الاتصال والإعلام في المنظمة والمتعلقة بقدراتهم المختلفة الخاصة بالأداء الإعلامي.
ب/ تطوير و تنويع أدوات الاتصال والإعلام المستخدمة في المؤسسة، و عدم قصرها على بعض الوسائل التقليدية دون الاستفادة من الوسائل التكنولوجية الحديثة.
ج/ تطوير خطاب المؤسسة الإعلامي بما يتناسب مع فلسفتها وأهدافها وكذلك مع حاجات المجتمع وثقافته و الأوضاع السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية التي يمر بها مع التأكيد على أهمية التفريق بين الخطاب الداخلي و الخطاب الخارجي.
3/ التطوير الخارجي: و يقصد به التطوير من خلال تعزيز العلاقة مع وسائل الإعلام وإرساء قواعد ثابتة ومتينة وراسخة للتعامل معها من أجل نقل رسالة المؤسسة والتفاعل مع نشاطاتها وفعالياتها، و يتبع هذا التطوير تطوير العلاقة المجتمعية من خلال العلاقة مع وسائل الإعلام.
4 / إعلام الأزمات :
تتعرض الكثير من المنظمات الأهلية والرسمية على حد سواء إلى أزمات متعددة ومتكررة مما يعرض سمعتها وصورتها ومكانتها للخطر وتضع إدارتها أمام اختيار صعب. وغالباً ما يلقى على عاتق دائرة العلاقات العامة والإعلام أمر التصدي للأزمة وإجراء الاتصالات اللازمة المعروفة باسم ( اتصالات الأزمات ) مع جماهير المنظمة الداخلية والخارجية بما فيها وسائل الإعلام.
و هذا النوع من الإعلام ليس مفصولاً عن سياق ووظائف الإعلام الرئيسة غير أنه أصبح أكثر تخصصاً في المؤسسات و يلقى اهتماماً متزايداً لأهميته في إدارة الأزمة و في التصدي لأي شائعات أو حملات مضادة للمنظمة.
و رغم حيوية و أهمية أنشطة الاتصال و الإعلام خلال الأزمات التي قد تعصف بالمنظمة فإن هناك استخفافاً شديداً بهذا التخصص الجديد إلى جانب النظرة السطحية لهذه الأنشطة ممثلة في إسنادها إلى غير المتخصصين و اعتبارها مجرد عملية نشر أخبار دون اعتبار لما وراء هذه الأخبار و التقارير الصحفية و غيرها.
و هنا فقط ألفت النظر إلى أهمية الاهتمام بهذا النوع الإعلامي الجديد و التفاعل معه و اعتباره جزءا من سياسة التطوير الإعلامية داخل المنظمة بما يشكل لها درعاً واقياً قبل وقوع الأزمة يمكنها عند وقوعها من السيطرة عليها و احتوائها ، لأنه فن إعلامي يستدعي نوعية خاصة من التغطية الإعلامية و من التواصل مع وسائل الإعلام و كذلك من أنشطة العلاقات العامة و الإعلام تتجاوز الأدوار التقليدية التي يتم ممارستها في الأوضاع الطبيعية.
إشكالات وعقبات تطوير الأداء الإعلامي:
ويمكننا التعاطي مع هذه الإشكالات من زاويتين:
1/ إشكالات ذاتية: وتنبع من عدم اهتمام إدارة المؤسسة بالإعلام و عدم إدراجه في هيكل المنظمة التنظيمي الأساسي أو تعيين أفراد غير متخصصين للعمل في هذا المجال من أجل متابعة شؤون المنظمة مع كافة الشرائح المرتبطة بها ، إلى جانب عدم الحرص على تطوير قدرات العاملين في هذا المجال.
2/ إشكالات موضوعية: و تتعدد أسبابها و ما يهمنا في هذا الإطار هو أن وسائل الإعلام نفسها و عدم تفاعلها مع المؤسسة رغم وجود نشاطات و فعاليات لها تعد واحدا من الإشكالات الموضوعية التي تواجهها المؤسسة و يعود ذلك لعدة أسباب يقف على رأسها الأسباب السياسية و الشخصية و المادية.
مهارات لتطوير الأداء الإعلامي
ومن أجل تطوير الأداء الإعلامي في المؤسسات الأهلية والارتقاء به لابد بداية من تطوير المهارات المتوفرة للأشخاص المعنيين في هذه المؤسسات ومعرفة المهارات الأخرى الضرورية لأداء أعمالهم الإعلامية والاتصالية بهدف توفيرها .
وأهم هذه المهارات التي يجب الحرص على الاهتمام بها :
1/ مهارات اللغة والكتابة والتحرير : ويقصد بها قدرة القائم على الاتصال في المؤسسة على توظيف لغته بشكل علمي صحيح وقويم وممارسته لعملية الكتابة الهادفة التي تتوفر فيها عناصر البساطة والوضوح والقوة معا من أجل تقديم مضمون جيد بعيدا عن التشويش , أما التحرير الإعلامي فيعني هنا جعل الأحداث والمعلومات في متناول الجميع بطريقة واضحة ومشوقة ودرامية في بعض الأحيان.
ومهمة التحرير تقع ليس على كاهل المؤسسة الأهلية إنما المحرر الصحفي الذي ترسل له المعلومات والبيانات من أجل إخراجها وتقديمها بصورتها النهائية المنقحة لغويا وأسلوبيا .
2/ مهارة العلاقات العامة:
ويقصد بها حسن التعامل والتصرف مع الجماهير على اختلاف شرائحها وممارسة فن الاستماع الفعال باهتمام وتقدير , والقدرة على الوصول إلى عقل وقلب الجمهور المستهدف إضافة إلى إيجاد قنوات الاتصال المستديمة مع وسائل الإعلام ومع الجمهور من خلال وسائل الإعلام والاتصال .
3/ مهارات فنية وتقنية :
وتتنوع المهارات الفنية والتقنية ما بين القدرة على التصميم وإصدار المطبوعات بأشكال مختلفة تتناسب وطبيعة الرسالة والجمهور والوسيلة الإعلامية ( فن الإخراج الصحفي ) إلى القدرة على التعامل مع وسائل الاتصال والمعلومات من أجهزة كمبيوتر وإنشاء مواقع إلكترونية وغيرها .
4/ مهارات إدارية :
كافة العاملين في المجال الإعلامي يحتاجون إلى مهارات إدارية لتمكينهم من اتخاذ القرارات اللازمة والخاصة بمعرفة أسس التخطيط المبدئي لاختيار وسيلة الاتصال المناسبة ولتحديد سمات الجمهور ومدى ملاءمة الرسالة له وللتعرف على الميزانية التقديرية اللازمة لإنتاج بعض المطبوعات, ومتابعة عملية التنفيذ والتوزيع لضمان نجاح الهدف المراد تحقيقه.
كيف يمكن للمؤسسة أن تصل إلى وسائل الإعلام؟
القاعدة الأساسية التي يمكن للمؤسسة من خلالها الوصول إلى وسائل الإعلام ومن ثم الجمهور هي تنفيذ الفعاليات والخدمات والنشاطات الميدانية التي يتم فيها دعوة وسائل الإعلام لتغطية الحدث والكتابة عنه في الوسائل المختلفة حتى تقدم مؤسستك من خلال عمل و يرتبط اسمها بخدمة و فائدة يشعر بها الجمهور فتزداد مكانتها سموا و علوا و ترتبط أكثر بالمواطن.
وإضافة إلى تنفيذ مثل هذه النشاطات يمكن للمؤسسة اللجوء إلى الوسائل التالية :
1/ إصدار بيان صحفي تعليقا على حدث أو لإبداء رأي في قضية مطروحة مجتمعيا .
2/ إصدار تصريح صحفي خاص للنشر الفوري علمًا بأن هذا النوع من التصريحات يناسب أكثر المؤسسات الأهلية السياسية .
3/ كتابة مقال موقعًا باسم المؤسسة يتناول قضية من القضايا ويعرض جانبًا من آراء المؤسسة فيها .
4/ إصدار نشرة إخبارية دورية ( خاصة للمؤسسات ذات الفعاليات المتكررة والمتجددة ) بحيث يتم توزيعها على وسائل الإعلام لكتابة خبر عنها ونشره في الصحف والمواقع الإعلامية الأخرى .
5/ كتابة رسالة للصحيفة ردا على موضوع منشور أو قضية مطروحة بهدف نشرها في زاوية ( رسائل القراء ) .
6/ نشر إعلان مؤسسي مدفوع الأجر في الصحف والمجلات وهو لا يأخذ الصبغة الدعائية أو التجارية وإنما يتضمن معلومات مفيدة للقارئ مثل الإعلانات التي يتم نشرها حول خط الإرشاد الهاتفي المجاني أو الإعلانات التي تتضمن فقرات من القوانين أو التقارير السنوية وأبرز نتائجها التي تنشرها باستمرار الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن.
7/ إصدار المطبوعات المختلفة سواء مرتبطة بقضية معينة أو التي تتناول فيها المؤسسة قضية نقدية تحليلية .
8/ عقد مؤتمرات صحفية يتم فيها التحدث إلى وسائل الإعلام أو لاستضافة بعض الشخصيات.
وغاية كل هذه الوسائل هي: الوصول إلى وسائل الإعلام بهدف التعريف بنشاطات المؤسسة وتسويق نشاطاتها الخدماتية بما يتضمن تحقيق التواصل مع الجمهور.
إن التعامل مع وسائل الإعلام له أصول وقواعد أساسها المتين هو الثقة المتبادلة بين الطرفين, فكلما تعززت هذه الثقة كانت فرصة المنظمة أكبر في كسب ثقة وسائل الإعلام و من ثم كسب ثقة الجمهور الذي يعتمد بدرجة عالية على وسائل الإعلام في تكوين آرائه عن القضايا و المنظمات و حتى الشخصيات، و هو ما يستدعي من المنظمة عملاً مخططاً و تفكيرا مبدعاً و أداءً خلاقاً لتوظيف وسائل الإعلام في خدمة رسالة المنظمة.
**********************************************************
²صحفي و معيد بقسم الصحافة و الإعلام جامعة غزة