عودة إلى نظرية الحتمية القيمية الإعلامية واستنطاق الصامت
حوار مع د. عبد الرحمن عزي
د. السعيد بومعيزة
كلية العلوم السياسية و الإعلام
جامعة الجزائر
س1. صدر لكم "دراسات في نظرية الاتصال: نحو فكر إعلامي متميز" من إصدار مركز دراسات الوحدة العربية بلبنان ثم ظهر كتاب عنكم بعنوان "الإعلام و القيم: قراءة في نظرية المفكر الجزائري عبد الرحمن عزي" من إصدار دار الهدى بالجزائر. هل تعتقدون أن النظرية التى تنسب إليكم بالحتمية القيمية الإعلامية أصبحت واضحة المعالم لدى الدارسين الإعلاميين عندنا حاليا؟
ج: لا أدري، إذ أن العادة في المحيط الأكاديمي "الكلاسيكي" التحفظ من الجديد إلى حين. أضف إلى ذلك أن هناك نظرة ذاتية شبه انهزامية في جزء من البنية الذهنية في المنطقة العربية ومفادها عدم توقع الجديد في ظل الساحة الأكاديمية السائدة في المنطقة حاليا. وقد يكون في هذه النظرة بعض الصحة إلا أن اجتهادي لم يكن من داخل هذا المحيط و إنما من خارجه إلى حد بعيد. وقد وجدت "فهما" اكثر عن هذه النظرية في أوساط الطلبة وخاصة ممن درسوا عندي مغربا و مشرقا في الدراسات العليا، و أعرف بعض الرسائل الجامعية التى تأثرت بهذه النظرية. كما لقيت هذه النظرية بعض الصدى في بعض الأوساط الإعلامية الدارسة باللغة الإنجليزية بعد ما نشرت كتيت "الكفاءة القيمة في عصر المعلومات" Ethical Competence in the Information Age باللغة الإنجليزية أواخر التسعينيات، وهناك من يعد حاليا دراسة في سياق النظرية نفسها باللغة الفرنسية.
س2. تقولون أنكم اجتهدتم خارج الساحة الأكاديمية السائدة في المنطقة. كيف يحدث ذلك وأنتم تمارسون التدريس الإعلامي بالمنطقة بالذات أزيد من عشرين سنة؟
ج: بدأت أبحث في الظاهرة الإعلامية في المنطقة العربية استنادا إلى الفكر الإجتماعي الغربي المعاصر والذي احتكيت به إما دارسا أو مساهما و أنا في أمريكا، فكان كتابي الأول " الفكر الإجتماعي المعاصر و الظاهرة الإعلامية الاتصالية: بعض الأبعاد الحضارية." ثم انشغلت "بهم" التراث إلى حين. و لم يكن هذا الانشغال معرفيا بل منهجيا. و أعنى بذلك أننى لم أكن أهتم بالمسائل و الاشكالات التى تعامل معها العلماء و الباحثون المسلمون الأوائل و المحدثون كابن خلدون و ابن طفيل و ابن القيم و مالك بن نبي، الخ. وإنما بمقاربتهم أي منهجيتهم في دراسة الظواهر. و قد بدت لي مناهجهم متطورة لكنها "ناقصة" في التفاصيل، و ذلك ما استكملته بالمناهج الغربية المعاصرة التى هي أكثر تطورا ليس في المقدمات النظرية و لكن في أدوات التحليل. و بتعبير آخر، فإنك تجدني أمزج بين "العقلية الشرقية" و "المنهجية الغربية." و بالطبع، فليس كل ما أدرسه في المحيط الأكاديمي ذو علاقة مع هذه النظرية، فالأستاذ يدرس ما يتطلبه البرنامج الدراسي بغض النظر عن إسهاماته و اهتماماته البحثية. كما أن الوسط الأكاديمي في المنطقة في المنطقة العربية لا يسمح كثيرا ببروز اجتهادات نوعية على النحو القائم في الحالة الغربية.
س3: هل يعنى ذلك أن الساحة الأكاديمية في المنطقة حاليا لا تسمح بالإبداع و التجديد في النظريات و المناهج؟
ج: أميل إلى هذا الاعتقاد إذ أن الإبداع ينمو على هامش السائد. فمعظم الدارسين الإعلاميين لا يطرحون "الشك" في المسلمات التى درسوها ويسعون بدورهم إلى نقلها لطلبتهم. أضف إلى ذلك أن هذه الساحة تستهلك بطريقة غير منهجية وبصفة متأخرة ما ينتجه الآخرون في الساحة الغربية، إلا ما ندر. و يمكن أن نضيف إلى ذلك عددا من المبررات الأخرى كالكسل الفكري وضآلة الحرية الأكاديمية وقلة الجرأة و اضطرار الباحث إلى الانخراط في المشاكل المعيشية و الاجتماعية الصعبة، الخ.
س4: تقصدون من ذلك أن الدارس الإعلامي عندنا لا يتعدى أن يكون مستهلكا أو أداة توصيل (وليس إنتاج) المعرفة؟
ج: تجد أن هناك كما لا بأس به من الكتابات في مجال الإعلام إلا أن جلها يشكو الضعف النظري و التسيب المنهجي، و الاستثناءات قليلة في هذا المجال. وحديثا، تأثرات هذه الكتابات بالتوجه نحو الانتاج السريع و البحث عن الربح و الشهرة و ما إلى ذلك.
س5: هل ينطبق ذلك على الكتاب الجامعي أو ما يسمى ب (textbook) أو الأبحاث عامة؟
ج: ليس عندنا كتابا جامعيا في المجال بأتم معنى الكلمة، فالكتاب الجامعي هو ذلك الذي يحصي المعرفة في الموضوع ويوثق ذلك أفكارا و إحصائيات ويجدد ذلك سنويا على سبيل المثال. أما ما تحتويه الكتب الجامعية عندنا فهي معارف عامة وغير متجددة بالمقارنة ولا تفيد الطالب إلا في حدود ضيقة، ولعل ذلك ما يجعل الطالب يعزف عن قراءة هذه الأخيرة. و يمكنك الاحساس بهذه الفجوة المعرفة في الشكل و المضمون عندما تنتقل من كتاب جامعي بالعربية إلى آخر بالإنجليزية في نفس الموضوع، فلا شك أنك تحس بالغبن بالمقارنة. أما الأبحاث، فليس لدينا مؤسسات أو مجلات ذات مرجعية و سلطة معرفية تفصل بين الغث و السمين اللهم إلا بعض الاستثناءات و أجدنى هنا أذكر مجلة المستقبل العربي مثلا.
س6: هل نفهم من ذلك أن ما أنتجته المؤسسة الجامعية في مجال الإعلام لا يسمح بتكوين الدارس الإعلامي الذي يتقن مجاله بشقيه النظري و التطبيقي؟
ج: إذا كان قصدكم بالدارس الإعلامي الباحث، فالإجابة نعم. أما إذا كان القصد الممارس الإعلامي، فإن هذا الأخير يمكن أن يعوض جزئيا عن هذاالنقص بالتجربة الميدانية إلى حد ما.
س7: نعود إلى نظرية الحتمية القيمية الإعلامية، هل ترى أن مثل هذا التنظير يسد بعض العجز النظري في المعرفة الإعلامية؟
ج: حاولت أن أضع بعض الأسس الأولية عن هذا التنظير و أتوقع أن يقوم الدارسون المهتمون بهذه المساهمة المشاركة بالإثراء و النقد... و الحاصل أن هذا التنظير هو مجال يتعايش مع المجالات النظرية الأخري، وهو لا يستثنيها بقدر ما يناقشها. وقد أسعى لاحقا إلى تطوير بعد أدوات البحث المنبثقة عن هذه النظرية وإن كنت وددت أن يستكمل ذلك الطلبة المتأثرون بهذا التنظير أنفسهم.
س8: ذكرتم مرة أننا في مرحلة جمع البيانات، هل ما زلنا في تلك المرحلة، أي ما قبل التنظير في مجال الاتصال الجماهيري، وإلى متى؟
إن المعرفة الميدانية الخاصة بالسلوك الاتصالي و كيف يقرأ الجمهور مضامين وسائل الإعلام وانعكاس ذلك على البنية الذهنية و السلوك الاجتماعي في المنطقة العربية عامة محدودة لعدة عوامل. أولها ضعف التنظير أو الإطار النظري المتميز و ترتب عن ذلك أن تكون اِلاشكاليات أو الأسئلة التى تطرح في العديد من الكتابات الأولية هشة بالمقارنة. وثانيا، أنه وحتى المحاولات الميدانية فقد انبنت على العينات القصدية لصعوبة اعتماد العينات العشوائية في المنطقة العربية في ندرة أو غياب قواعد البيانات. وترتب عن ذلك التجزأ و الأخطاء المنهجية و"المضاربة" و التسرع في طرح الافتراضات والذي يجعل هذا المجال محل "شك" كما وأن هذه المحاولات لا تسمح بالتعميم في معظم الحالات. أما التنظير التى أحاول الانشغال به فمستقل نسبيا عن ظواهر ميدانية جزئية أو مرحلة تاريخية محددة وإن كان يسعى إلى تأطيرها. فالنظرية تحمل جانبا مثاليا و تتجاوز اعتبارات المكان و الزمان إلى حد كبير. وكما هو معروف، فالكمال يكون في عالم الأفكار، أما الواقع فيشوهها و يلونها بألوان شتى.
س9: يقال أن ما تبحث فيه أشبه ما يكون بفلسفة الإعلام، أي المنطلقات النظرية في المجال، فهل هذا الوصف دقيق إلى حد ما؟
ج: هو شيء عن الفكر الإعلامي وقد يكون فيه بعض الفلسفة أيضا.
س10: طرحتم العديد من المفاهيم المستحدثة مثل المخيال الإعلامي و السالب و الموجب في الثنائية الإعلامية و فعل السمع و البصر وماهية الحق و الحقيقة، الخ. فهل أنتم تسعون إلى التغيير من خلال التغاير باستخدام ألفاظ غير مألوفة مثلا؟
ج: التغيير يمكن أن يكون بنيويا بالمغايرة ولكننى أردت الخروج من المفاهيم الامتثالية للتعبير عن واقع أراه غير ذلك. خذ مثلا مفهوم الرأي العام الذي أصبح متداولا في المحيط الأكاديمي و الإعلام عامة. فلم يخضع هذا المفهوم للنقد الكافي ويستخدم وكأنه من المسلمات علما بأنه حتى المفهوم اللبرالي للرأي العام يتضمن شروطا غير قائمة في المنطقة العربية حاليا. فالحديث عن رأي عام في المنطقة العربية يحمل الكثير من التشويه للحقائق. وقد اتضح لى أن ما يوجد لدينا ما سميته بالمخيال الإعلامي وهو تمازج بين ما يحمله الفرد من ثقافة و خلفيات و أساطير من جهة و ما يتلقاه في وسائل الإعلام من مضامين أيا كانت من جهة أخرى.
س11: حاولتم في المدة الأخيرة إثارة مفاهيم جديدة أخرى كمثل الزمن الإعلامي وعنف اللسان و الإعلام و بيولوجية العقل و التفكير، الخ. هل تصب كل هذه الأخيرة في نفس التنظير؟
ج: نعم، و في الواقع فإنى ربطت الزمن الإعلامي بالزمن القيمي وعنف اللسان و الإعلام بانكسار البنية القيمية في فعل الكلام وعلاقة ما يجري في العقل تفاعلا مع القيمة.
س12: هل أنتم تنتقدون في هذه الحالة استخدام الدارجة في التخاطب و الإعلام؟
ج: أنا لا أنظر إلى اللغة في حد ذاتها ولكن ما تحمله من قيم ومعاني. فالانكسار وقع في البنية القيمية و انعكس ذلك في كل من الكلام و اللغة.
س 13: إذا كان انحسار القيمة في الكلام أمرا مفهوما فكيف يكون ذلك في اللغة؟
ج: رغم أن اللغة ليست أداة محايدة لكن يمكن إفراغها من مضمونها القيمي خاصة إذا كان الهدف من استخدامها أيديولوجي أو سياسي، الخ.
س 14: تقصد من ذلك أن اللغة العربية الحالية تشكو أيضا من هذا الانكسار في القيمة؟
ج: هي تشكو أقل من الكلام بحكم عودتها باستمرار إلى النص القرآني و نصوص التراث المتعددة.
س 15: هل يشمل هذا الانكسار أيضا الألسن الأخرى القائمة في المنطقة العربية كالأمازيغية وغيرها؟
ج: هذه الأسن لها وضعها الخاص. فهي لا يدخلها متكلمون جدد من خارجها ولهذا فهي حافظت على خصوصيتها أكثر من غيرها وهي لم تخترق كثيرا في بنيتها الثقافية المحلية إذ يلجأ متحدثوها إلى التعبير عن الأفكار الخارجية بلغات أخرى. وما حدث تاريخيا هو التفاعل الإيجابي مع اللغة العربية بحكم أن هذه الأخيرة لغة قيمية. و رغم كل ذلك، فقلما تجد لسانا في المنطقة العربية لا يشكو من هذا الانكسار إن لم يكن بحكم اللسان ذاته فبحكم الظروف الاجتماعية و السياسية المحيطة.
س 16: كيف يمكن التوفيق بين مفهوم الزمن في التراث و الذي قد ينظر إليه على أنه ماضويا من جهة و تعدد الأزمنة بفعل تكنولوجيا الاتصال من جهة أخرى؟
ج: الزمن في أصل التراث زمنا قيميا. وحيث أنه كذلك فهو ليس ماضويا لأنه يدفع بالفرد إلى الحركة وإحداث الفرق في التدافع بين الخير و الشر "ولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض." أما الزمن الإعلامي فلم يساهم في تنويع الزمن و إنما في تفكيكه عن طريق إدخال زمن يسعى إلى الهيمنة على الزمن القيمي و الاجتماعي وإبطالهما كعناصر محركة في التغيير و التطور التاريخي.
س 17: يلاحظ في كتاباتكم أنكم تعالجون ظواهر تبدو من تحصيل الحاصل ولكنكم تطرحونها بطريقة خاصة فتبدو أصيلة وذا حداثة. فهل هذه الملاحظة دقيقة؟
ج: السائد في العقلية الأكاديمية الكلاسيكية أن الباحث يدرس المجهول، وهذا أمر مشروع. لكن هذا النظرة تغفل حقيقة أن الكثير من المسلمات حول بنية الإعلام ووظائفه وتأثيراته ليست مبنية على معرفة مؤكدة بما لا يدع المجال للشك، فالكثير منها يدخل في باب الفرضيات أو الافتراضات. فالباحث في نظري يدرس المسلمات و يحولها إلى إشكاليات جديدة. و بمعنى آخر، فإن الباحث لا يكتشف أشياء جديدة و إنما يكشف عن حقائق موجودة مسبقا ولكنها لم تكن في متناوله لضعف أدوات تحليله.
س 18: تستخدمون بعض أدوات المدرسة البينوية كالتضاد الثنائي مثلا، فهل ما يزال هذا الاتجاه يحتفظ بمكانته في دراسة وسائل الإعلام؟
يبرز هذا الاتجاه أكثر في المحيط الفرانكفوني (في مقابل الأنجلوسكسوني) لأساب تاريخية. وفيما أكتبه، أستعين بما أراه ملائما في أكثر من مدرسة، ولكل مدرسة جوانب قوة وأخرى أقل أهمية. فالبنيوية تعتبر الظواهر لغة قبل أن تكون شيئا آخر، و الواقع لا يعرف إلا من خلال اللغة، فهي، أي البنيوية، تمس جوهر الاتصال.
س 19: لكن يبدو أنكم أميل إلى الظاهرتية وخاصة و أنكم درستم عن بعض روادها في أمريكا؟
ج: "الظاهرتية" تسعى فيما تسعر إليه إلى تشخيص البحث و التركيز على المعاني الذاتية و ذلك ما لا ينسجم مع النزعة الأكاديمية السائدة التى تدعو إلى الموضوعية و الحياد.
س 20: وهل أنتم تقومون بالتشخيص هذا في أبحاثكم؟
ج: التمايز يحدث على مستوى التشخيص كأن تربط ظاهرة برؤية شخصية خاصة. و التشخيص يختلف عن الذاتية المحضة فهي تعنى أن يمس تحليلك واقعا هو جزء من حياة الآخرين فيحسونه أو يرتبطون به. أما بدون التشخيص فالأبحاث في معظمها متشابهة و تنقل عن بعضها البعض.
س 21: وهل هذا التشخيص ينطبق على العمل الصحفي أيضا؟
ج: نعم، إذ ما لافائدة من الحديث عن زيارة وزير إلى منطقة ما إذا لم يرتبط ذلك بحياة حقيقة يعيشها فرد من تلك المنطقة. ومن هنا تبدو هذه الزيارات متشابهة ومملة كما ترى.
س 22: نعود إلى مجال التنظير، هل مازالت النظرية النقدية حاضرة في دراسة ظاهرة الاتصال بعد انحسار هذا النظرية مع انهيار تجارب بلدان أروربا الشرقية؟
ج: النظرية النقدية نمت في البلدان الغربية وجل اسهامها يخص بنية المجتمع الرأسمالي ولها بعض الرؤي في علاقة الملكية بوسائل الإعلام. ولعل النظرية النقدية الجديدة التى قدمها "هابرماس" أقرب إلى دراسة الاتصال كبنية مستقلة نسبيا عن البنية التحتية التقليدية.
س23: تقصدون بذلك مفهومه الخاص بالمجال العام مثلا؟
ج: نعم، إضافة إلى نظريته التى سماها بالبراغماتية العالمية.
س 24: يرد في كتاباتكم أن تخصص الإعلام يشكو من الضعف النظري. وقدظهرت هناك بعض المحاولات مثل مجال "الإعلام الإسلامي" مثلا. فكيف تقيمون هذا الأخير؟
ج: ظهر مجال "الإعلام الإسلامي" في بعض الجامعات ذات الطابع الإسلامي، وهو يعبر عن جهد صادق في البحث عن التمايز، إلا أنه يفتقر إلى أدوات الدراسة و التحليل بحكم "عدم معرفة الآخر أو تجاهله أو إقصائه" وتحول مع الزمن إلى خطاب أكثر منه نظرية علمية. فالعلم في مستواه العقلي لا يحمل جنسية أو عقيدة معينة، وفي هذه العملية هناك تراكم في المعارف الإعلامية بدءا بظهور الصحافة في القرن 16 بأوروبا مرورا بتطور علم الإعلام في العشرينيات من القرن العشرين بأمريكا إلى سيادة تكنولوجيا الاتصال حديثا. ومن جهة أخري، فإن البحث عما يميز الإعلام في المنطقة العربية أمر مشروع و مطلوب. والحاصل أن الثنائية التى تحدث عنها بعض الكتاب و الباحثين من أن النخبة في المنطقة العربية إما أن تكون تقليدية دون المعاصرة أو حداثية دون الانتماء ماثلة إلى حد ما في الدارسين الإعلاميين عندنا . وقد كان ذلك عاملا في اجتهاداتي للخروج من هذه الدائرة .
س 25: وماذا عن المحاولات الأخرى التى تندرج في إطار ما يسمى "بأسلمة المعرفة"؟
ج: مرة أخرى، لا يكفي أن تسمي شيئا بهذه التسمية حتى يكون كذلك. فمن المعروف أن العلماء المسلمين الأوائل كابن خلدون وابن سينا و الفارابي و الغزالي و ابن رشد اجتهدوا في سياق الثقافة الإسلامية دون أن يسموا إسهاماتهم بالإسلامية فذلك من تحصيل الخاصل وساهم ذلك في نشر معارفهم شرقا و غربا. أما إضفاء الأسلمة على المعرفة الموجودة فيكون ذلك في نظري من باب الكسل الفكري و الخوف من الاندماج في الآخر. وقد اطلعت على بعض الكتابات التى كتبها بعض الدارسين الإعلاميين في منطقة آسيا الجنوبية باللغة الإنجليزية، و هي تبحث عن التمايز و ترى أنه يمكن تجاوز الخلل في المعرفة الكاديمية الغربية بالعودة إلى النص القرآني و التراث عامة، وذات أشبه ما يكون باتجاه "الإعلام الإسلامي" ما عدا أنه أكثر دقة و يتم باللغة الإنجليزية هذه المرة.
س 26: تستخدمون في أبحاثكم تقديمات مدرسة التفاعلات الرمزية. هل أدواتها بارزة مثل البنيوية في دراسة وسائل الإعلام؟
ج. هي ملائمة أكثر في دراسة الاتصال الشخصي إلا إذا اعتبرنا أن وسائل الإعلام بدورها علاقات اجتماعية يتم من خلال بناء المعاني عبر شبكة من التبادل و الاتصال بين الأفراد.
س: 27: تحدثتم عن تأثير النظرية التى انشغلتم بها على بعض الدارسين عندنا، فهل لها بعض الصدى في منطقة المشرق العربي مثلا؟
ج: لا أدري وإنما تصلني بعض الردود التى إما تهنئني أو تشكرني عن هذه الدراسة أو تلك ولكن أم أجد قراءات نقدية عما أكتبه باستثناء قراءة د. محمود قالندر عن كتابنا "الفكر الاجتماعي المعاصر و الظاهرة الإعلامية الاتصالية" في دورية "Discourse " و قراءة بلال عبد الهادي عن كتابنا "دراسات في نظرية الاتصال: نحو فكر إعلامي متميز" في صحيفة "الشرق الأوسط." و أتصور أن يكون هذا التأثير محدودا نظرا لأن مجال التنظير معقد و لا يستقطب الكثير من الاهتمام. أضف إلى ذلك أننا نعيش فترة "الانكسار" في المجال الثقافي عامة فانعكس ذلك على المجال المعرفي أيضا.
س 28: بقي أن نسألكم عم مشاريعكم البحثية المستقبلية.
ج: أحاول فتح نوافذ جديدة بناء على ما يعتبر أنه من المسلمات. و بتعبير آخر، أطرح مواضيع تبدو و أنها لا تحتاج إلى مساءلة، أي أننى أسعى إلى استنطاق الصامت و إعادة تشكيله وفق النبية القيمية التي تشكل المنطلق في ذلك.