أين ستصل الأزمة الجزائرية الإسبانية؟.. مدريد تخشى ورقة تبون السرية، وهكذا تحاول جذب أوروبا لموقفها
تطورات لافتة تشهدها الأزمة بين الجزائر وإسبانيا، حيث انتقد الاتحاد الأوروبي قرار الجزائر تعليق اتفاقية الصداقة مع إسبانيا ولوح بأنه قد يعد ذلك انتهاكاً لاتفاقية الشراكة مع الجزائر، فيما سارع وزير الخارجية الإسباني بالتوجه إلى مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسل في محاولة لحشد تأييد الكتلة لجانب مدريد.
ورغم إعلان الجزائر أن إمداداتها من الغاز إلى إسبانيا لن تتأثر بالقرار، ولكن مدريد يبدو أنها تحاول خلق حالة أوروبية مضادة للجزائر.
وقالت المتحدثة باسم الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي نبيلة مصرالي، إن الخطوة التي اتخذتها الحكومة الجزائرية "مقلقة للغاية"، داعية للتراجع عنها، مؤكدة أن الجزائر شريك مهم للاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط ولاعب رئيسي للاستقرار الإقليمي. ودعت الطرفين للبحث عن حلول. "من خلال الحوار والقنوات الدبلوماسية"، مبدية الاستعداد لتقديم "كل المساعدة الضرورية" لتشجيع مثل هذا الحوار.
وبالإضافة إلى تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون، جمدت الجزائر كل التجارة الخارجية مع إسبانيا، مما أثار مخاوف من احتمال قطع إمدادات الغاز. وبالفعل سبق أن هددت وزارة الطاقة والمناجم الجزائرية، في نهاية أبريل/نيسان 2022، مدريد بإلغاء عقدها الخاص بالغاز في حال حدوث أي تغيير في وجهة إمدادات الغاز، في ِإشارة إلى رفضها لتحويل مدريد لأي غاز تستقبله من الجزائر إلى المغرب التي قطعت عنها الجزائر إمدادات الغاز.
تأتي هذه المواقف بسبب ما تعتبره الجزائر انحيازاً من قبل إسبانيا إلى المغرب في قضية الصحراء بعد إعلان مدريد تبنيها لمبادرة المغرب بإبقاء الصحراء ضمن أراضيه مع حكم ذاتي موسع، الأمر الذي ردت عليه الجزائر بسلسلة من الخطوات منها استدعاء سفيرها لدى إسبانيا في مارس/آذار الماضي.
وتدعم الجزائر الحركة المطالبة بانفصال الصحراء، فيما كانت إسبانيا القوة الاستعمارية في الصحراء الغربية حتى ضمها المغرب في عام 1975.
حجم التجارة بين الجزائر وإسبانيا
وتظهر أرقام وزارة الصناعة الإسبانية أن مدريد صدرت نحو ملياري يورو (2.1 مليار دولار) من السلع إلى الجزائر العام الماضي بينما قُدرت وارداتها بنحو خمسة مليارات يورو.
وتعتمد إسبانيا أيضاً بشكل كبير على الجزائر في مجال الطاقة، حيث توفر الإمدادات الجزائرية نحو %40 من واردات إسبانيا من الغاز الطبيعي.
وتنص المعاهدة الإسبانية الجزائرية، المبرمة في مدريد في أكتوبر/تشرين الأول 2022، على تطوير التعاون في المجالات الاقتصادية والمالية والتعليمية والدفاعية، بما في ذلك التعاون بين قواتهما المسلحة، وتنظيم التدريبات المشتركة، وتنفيذ برامج مشتركة للبحث والتطوير وإنتاج أنظمة الأسلحة، وتبادل الخبرات في مجالات المساعدة الإنسانية، وعمليات حفظ السلام، وتنشيط الاستثمارات المتبادلة.
من المقرر أن ينهي التعليق الجزائري، مجمل اللقاءات التي كانت تعقد بين المسؤولين الجزائريين مع نظرائهم الإسبان، حيث تنص الاتفاقية على عقد اجتماع رفيع المستوى، يجمع رئيسي حكومتي البلدين مرة بالعام، وكذلك اجتماع وزاري يجمع وزيري خارجية البلدين كل عام.
وزير الخارجية الإسباني يلغي رحلته لقمة الأمريكتين ويتوجه لبروكسل
وألغى وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس رحلته إلى قمة الأمريكتين في الولايات المتحدة لحضور اجتماع طارئ في بروكسل يوم الجمعة الماضي، لمناقشة الأزمة مع الجزائر.
ومن الواضح أن إسبانيا تحاول تصدير الأزمة باعتبارها مسألة أوروبية وليست ثنائية بين الدولتين.
وزعمت صحيفة الباييس الإسبانية اليومية، الخميس الماضي، أن مسؤولين حكوميين إسباناً يفكرون في إدانة الجزائر رسمياً للاتحاد الأوروبي لخرقها اتفاق 2005 بين الاتحاد الأوروبي والمتوسطي.
وفي هذا السياق، قالت وزيرة المالية الإسبانية ناديا كالبينو إن علاقاتنا التجارية ليست وطنية، بل هي مسألة أوروبية، وهذا هو السبب في أنه من المنطقي أن يسافر الوزير إلى بروكسل.
ويبدو أن إسبانيا تسعى ليس فقط لجعل المسألة أوروبية وليست ثنائية، ولكن تقدمها في إطار استفزاز جزائري مزعوم لأوروبا أو توجه للتحالف مع روسيا، ضدها، إذ قالت وزيرة المالية الإسبانية، الإثنين 13 يونيو/حزيران 2022، إن قرار الجزائر تعليق معاهدة صداقة ثنائية مع بلادها الأسبوع الماضي لم يكن مفاجئاً؛ لأن الجزائر "تنحاز بشكل متزايد إلى روسيا"، على حد تعبير المسؤولة الإسبانية.
وأضافت وزيرة الاقتصاد الإسبانية أنها لاحظت تقارباً متزايداً بين الجزائر وروسيا في اجتماع الربيع لصندوق النقد الدولي قبل أسابيع قليلة، وقالت في مقابلة إذاعية مع راديو كتالونيا: "رأيت في ذلك الوقت أن الجزائر أصبحت منحازة أكثر وأكثر لروسيا، لذلك فإن (قرار تعليق المعاهدة) لم يفاجئني". فيما لم يصدر حتى الآن أي تعليق جزائري على تصريحات الوزيرة الإسبانية.
يأتي هذا التصريح رغم أن إيطاليا والجزائر وقعتا صفقة غاز جديدة لتعزيز التنقيب عن الغاز في أبريل/نيسان 2022، كما أعلن البلدان أيضاً أن الجزائر ستزيد إمدادات الغاز إلى إيطاليا، حيث تسعى البلاد إلى إبعاد نفسها عن الغاز الروسي.
وتقلق هذه الصفقة الإيطالية إسبانيا لأنها تخشى أنها قد تكون على حساب الغاز الذي تصدره الجزائر لمدريد.
وكانت الجزائر قد قطعت الغاز عن المغرب، وطلبت من إسبانيا عدم تزويد الرباط بالغاز، ولكن إسبانيا قالت إنها تزود المغرب من مصادر أخرى.
المهاجرون سلاح الجزائر الجديد ضد إسبانيا
وتحاول إسبانيا تقليدياً موازنة علاقتها بين الجزائر والمغرب، البلدين العربيين المتخاصمين، حيث إنها تحتاج علاقة جيدة مع المغرب، بسبب جهود وقف الهجرة، وكذلك من أجل عدم إثارة مشكلات تجارية وأمنية لجيبي سبتة ومليلة الخاضعين لحكم مدريد على الساحل المغربي، وتعتبرهما الأخيرة محتلين، في المقابل، تسعى مدريد للحفاظ على علاقة جيدة مع الجزائر للحفاظ على إمدادات الطاقة.
ولكن تخشى إسبانيا أن الأزمة الأخيرة مع الجزائر يمكن أن تؤدي لزيادة عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يأتون لإسبانيا عبر الجزائر، وفي عام 2021، قدرت الشرطة الإسبانية أن 11300 مهاجر عبروا البحر لإسبانيا من خلال الطريق الجزائري مقارنة بـ13100 جاءوا عبر المغرب.
وتقليدياً لا تستخدم الجزائر الهجرة غير الشرعية كأداة للضغط على إسبانيا مثلما يفعل المغرب، ولكن منذ سحب الجزائر سفيرها من مدريد في مارس/آذار الماضي، توقفت عملية إعادة المهاجرين إلى إسبانيا الذين ليس لديهم وثائق للجزائر، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.
الجزائر ترد على الاتحاد الأوروبي
وعبرت الجزائر، الجمعة 10 يونيو/حزيران، عن أسفها إزاء "تسرع" المفوضية الأوروبية في الرد على قرارها بتعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا، مشددة على أنها ستبقى ملتزمة بشأن إمداد مدريد بالغاز.
جاء ذلك وفق بيان البعثة الجزائرية لدى المفوضية الأوروبية، تعقيباً على بيان للاتحاد الأوروبي قال فيه إن الجزائر "تبدو وكأنها تنتهك اتفاقية الشراكة مع الاتحاد".
وذكر بيان البعثة الجزائرية أن "مفوضية الاتحاد الأوروبي ردت دون تشاور مسبق ولا تحقق من الحكومة الجزائرية، بخصوص تعليق معاهدة سياسية ثنائية مع بلد أوروبي هو إسبانيا".
وتصر الجزائر على أن رد فعل الاتحاد الأوروبي يتضمن "تصريحات متسرعة لا أساس لها من الصحة"، حيث إن الأمر يتعلق باختلاف سياسي ثنائي مع دولة أوروبية، دون أي تأثير على التزامات الجزائر تجاه الاتحاد الأوروبي".
ورفضت الجزائر دعوات تفعيل آلية التشاور الأوروبية من أجل "رد الفعل الجماعي" على ما حدث؛ لأن سلطات الاتحاد الأوروبي ليس لديها في هذه الحالة أي أساس قانوني لإثبات اختصاصها في هذه المسألة.
هل تشهد الأزمة بين الجزائر وإسبانياً تصعيداً؟
تعد الجزائر "المورد الأكثر أماناً واستقراراً للسوق الأوروبية" وتحديداً إلى إسبانيا. و"رغم قطع العلاقات مع المغرب وتوقف الإمداد في خط أنابيب الغاز بين المغرب العربي وأوروبا، حافظت الجزائر على التزاماتها مع إسبانيا".
وبينما تبدو مدريد تحاول حشد الأوروبيين إلى جانبها، فإن تصعيد الأزمة لا يمثل وقتاً مناسباً تماماً للقارة التي تريد التخلص من الغاز الروسي، وتعتمد في ذلك إلى حد كبير على إمدادات الطاقة البديلة من الدول العربية والإفريقية وإسرائيل.
كما أن الاتفاقات التي أبرمتها الجزائر مع إيطاليا تحديداً قد تجعل الأخيرة ترفض أي تصعيد ضد الجزائر.
وكشف مسؤول جزائري كبير لصحيفة الشروق الجزائرية أن "هناك قرارات أخرى ستعلن لاحقاً من قبل الجزائر". وأوضح المصدر للصحيفة أن تصريحات رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أمام مجلس النواب كانت "القشة التي قصمت ظهر البعير" حيث جدد الدعم للاقتراح المغربي الخاص بالصحراء رغم انتقادات الأحزاب السياسية الأخرى، ولم يستبعد الاقتصادي الجزائري مراد كواشي امتداد هذه الأزمة لاتفاقيات توريد الغاز.
في الأغلب الجزائر لا تريد تصعيد الأزمة لتصل إلى مستوى خلاف مع أوروبا، ولكنها يبدو أنها تحاول استغلال التوقيت لتوصيل رسالة لإسبانيا بسبب أزمة الصحراء.
ففي ظل تركيز أوروبا على الرغبة في استبدال الغاز الروسي، فإن ذلك قد يمنع بروكسل ومدريد على السواء، من محاولة التصعيد مع الجزائر، لأنهما في غنى عن أزمة طاقة ثانية إضافة إلى الأزمة الروسية.
كما أن الجزائر لم توقف إمدادات الطاقة لإسبانيا بل حرصت على تقديم نفسها كمصدر موثوق للطاقة، الذي واصل توفير الغاز لإسبانيا، رغم الخلافات، وذلك بعد أن ضمن الجانب الجزائري توسيع حصته من أسواق إيطاليا، لتكون بديلاً محتملاً لإسبانيا في حال تطورت الأزمة، أو حاولت مدريد الاستغناء عن الغاز الجزائري.
أما الاتحاد الأوروبي فسيميل في الأغلب لاتخاذ مواقف تبدو من الناحية الرسمية مع إسبانيا دون تصعيد مع الجزائر، والعمل على حل الأزمة أو تجميدها، ولكن التصعيد الكلامي الإسباني يذكّر بالمواقف اليونانية في الخلافات مع تركيا، حيث تطلب أثينا دعماً أوروبياً غير مشروطاً وتريد أن ترهن علاقة الاتحاد الأوروبي بخلافاتها مع أنقرة.