الجزائر: بين خيارات المعارضة وقرارات السلطة
من المقرر أن تعقد الأحزاب المعارضة الرئيسة ندوة وطنية حول موضوع «الانتقال الديمقراطي في الجزائر» خلال الشهر المقبل بمشاركة 18 شخصية وطنية، وهو حدث مهم باعتبار أن الندوة تضم مختلف القوى السياسية الوطنية واللائكية والإسلامية (باستثناء الجبهة الإسلامية للإنفاذ)، بحيث تكون منبرا للحوار بين الفاعلين السياسيين بهدف تقديم اقتراحات لإيجاد حل للأزمة التي تزعم أن السلطة تتخبط فيها، وهي أزمة بدأت بعد إقدام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 2008 على تعديل أول دستور توافقي لعام 1996 بإلغاء المادة التي تحدد العهدة بمرتين وتحويل صلاحيات الوزير الأول إلى الرئيس ليتمكن عام 2009 من الفوز بعهدة ثالثة، وهذا دفع بالمعارضة إلى المطالبة بتفعيل المادة 88 من دستور 2008 التي تنص على نقل السلطة إلى رئيس مجلس الأمة وإجراء انتخابات رئاسية في مدة أقصاها 60 يوما.
غير أن حزبي السلطة (جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي) فضلا ترشيحه لعهدة رابعة وتحول البرلمان بغرفتيه إلى لجان مساندة، مما أدى بالأحزاب الإسلامية إلى مقاطعة الانتخابات والتحقت بها أحزاب أخرى من التيار الديمقراطي واللائكي (العلماني) إلى جانب شخصيات وطنية.
لأول مرة، في تاريخ الجزائر، يتهم رئيس حزب سياسي (الأمين العام لجبهة التحرير الوطني) مدير المخابرات بالتدخل في الشأن السياسي، ويثير جدلا إعلاميا جعل الرئيس المترشح يبعث بمجموعة رسائل مشفرة ترتب عنها ظهور رسائل أخرى من شخصيات وطنية تعارض ترشحه وتطالب بـ«مرحلة انتقالية» أدى إلى حراك سياسي جديد بدأ بتصريحات مولود حمروش (رئيس حكومة سابق) التي تدعو عبد العزيز بوتفليقة والجنرال أحمد قايد صالح (قائد الأركان العامة للجيش) والفريق محمد مدين المدعو توفيق (رئيس المخابرات الجزائرية) إلى الاتفاق على حل الأزمة، باعتبار أن هؤلاء الثلاثة «رجال وطنيون يتحملون العبء الثقيل لإنقاذ البلاد»، في حين وجه الرئيس السابق اليمين زروال رسالة أخرى دعا فيها بوتفليقة إلى «عهدة انتقالية» وتلتها رسائل أخرى من شخصيات أخرى من بينها الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي تناشد أصحاب القرار بمرحلة انتقالية، واستطاعت المعارضة المقاطعة للانتخابات أن تعقد تجمعا شعبيا مرخصا له فأعطاها دفعا جديدا خاصة بعد أن وصلت نسبة مقاطعة الانتخابات الرئاسية إلى 49.30 في المائة، وانضم إليها المرشح علي بن فليس، الذي اتهم السلطات الجزائرية بتزوير الانتخابات لصالح مرشحها.
يبدو أن أهم إنجاز للمعارضة هو الاتفاق على عقد ندوة وطنية للانتقال الديمقراطي في الجزائر تجمع أغلب الأحزاب الإسلامية والعلمانية بهدف إصدار وثيقة شبيهة بوثيقة «العقد الوطني» التي وقعها الرئيس الراحل أحمد بن بلة وعبد الحميد مهري وعبد الله جاب الله إلى جانب شخصيات من الجبهة الإسلامية للإنقاذ أسست لميلاد «المصالحة الوطنية» التي تحولت إلى مشروع سياسي للرئيس بوتفليقة.
تعتقد المعارضة أنها قادرة على إحداث تغيير وأن ندوتها الوطنية ستثمر عن نجاح. والحقيقة أنها لا تستطيع أن تمارس ضغوطا على السلطة، خاصة بعد انسحاب الزعيم حسين آيت أحمد من جبهة القوى الاشتراكية التي لم تحدد موقفها من الانتخابات الرئاسية، وهي التي طرحت فكرة الانتقال الديمقراطي في الجزائر.
إن التقارب الذي حدث بين التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بقيادة محسن بلعباس والتيار الإسلامي، ترك ارتياحا كبيرا لدى المتتبعين للشأن الجزائري، وتفاءل كثيرون بإمكانية التغيير غير أن تكليف الرئيس مدير مكتبه بمهمة الحوار مع المعارضة حول الدستور جعل التوتر يزداد بينهما بسبب عدم اهتمام الرئاسة بملف المشاورات التي أشرف عليها عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة في صائفة 2011 حول الدستور وتحويله إلى لجنة صياغة من أربعة أساتذة فهل يريد الرئيس كسب الأحزاب الجديدة التي اعتمدت عام 2012 من خلال تكليف أحمد أويحيي مدير مكتبه بفتح حوار معها أم يريد تجديد ثقة الشعب فيه عبر الاستفتاء على الدستور بعد أن طعن منافسوه في نزاهة الانتخابات؟.
يعتقد كثير من المراقبين أن رهان المعارضة على التغيير عبر دعوة السلطة إلى تبني نتائج الندوة هو مجرد وهم، فالذين حققوا الفوز للرئيس نالوا حقائب وزارية، والمعارضة وصفت التغيير الحكومي بـ«المكافآت»، فهل تريد هي الأخرى مكافأة على تسخينها الحملة الانتخابية؟
مهما كانت نتائج ندوة الانتقال الديمقراطي، فإنها ستبقى شهادة على تكتل الأحزاب والشخصيات الوطنية من أجل التغيير المنتظر، ويبقى الرهان الأكبر على الانشقاق داخل الأحزاب التي ساندت الرئيس ولم تحصل على مقاعد في الحكومة التي ضمت 25 وزيرا غير منتم سياسيا.
* أستاذ علوم سياسية جزائري