طالب علوم الإعلام و الإتصال

الصحافة المطبوعة و الإلكترونية، مذكرات تخرج و دراسات و أبحاث.

قسم الأخبار

آخر الأخبار

قسم الأخبار
جاري التحميل ...

  1. عمل رائع يستحق الدعم و التشجيع
    بارك الله فيكم و جزاكم الله خيرا على مجهوداتكم

    ردحذف

الجذور التاريخية لقضية الصحراء الغربية

    جامــعــة التكوين المتواصل

مقياس: قضايا راهنة

مستوى السنة الأولى ماستر  

أستاذة المادة: أ.د/ نبيلة بن يوسف

المحاضرة الخامسة:

الجذور التاريخية لقضية الصحراء الغربية

أهداف المقطع:

1ـ التعرف على القضية الصحراوية لاثراء البنك المعلوماتي الثقافي.

2ــ تسليط الضوء على أهم المشاكل البينية

3ــ التعرف على طرق الحلحلة ومنه التعرف على الدبلوماسية بأنواعها.

محتوى المقطع:

1ـ منطلقات القضية الصحراوية. 

2ــ جبهة البوليساريو

3ــ الجولات الدبلوماسية لتسوية القضية الصحراوية

4ـ السيناريوهات المستقبلية للقضية الصحراوية.

تمهيد:

      انطلقت عجلة الاستعمار والغزو لدول أمريكا الجنوبية اللاتينية والجنوبية ودول القارتين الاسيوية والإفريقية بعد بزوغ شمس الثورة الصناعية في أوروبا حينها انفتحت شهية الأطماع لنهب الثروات الطبيعية الزاخرة بالموارد المختلفة المولدة والمنشطة للعمل الصناعي والتجاري على حد سواء، وبالاعتماد على أيديها العاملة التي جعلت منها رخيصة من خلال تجارة الأقنان وترحيلهم للعمل في اوروبا واستعباد البقية منهم فوق أرضهم لاستخراج المواد الأولية في ممارسات عنصرية.

وقد تم الاتفاق على اقتسام مناطق النفوذ بين الدول الاستعمارية الكبرى آنذاك؛ الامبراطورية الفرنسية، والمملكة البريطانية، والمملكة الاسبانية وذاك في اطار ما يعرف بإعادة رسم الخريطة السياسية.
فكانت الأرض الصحراوية من نصيب الاحتلال الاسباني والمغرب من نصيب فرنسا 1912م.

موجات التحرر الاستعماري في الدول المستعمرة لم تتوقف، واستطاعت الكثير منها أن تقتلع استقلالها من المستعمر الغاشم.  إلا أن الاقليم الصحراوي كان وضعه مختلفا. 

الاتفاق الثلاثي بين المغرب وموريتانيا واسبانيا عام 1975م القاضي بانسحاب اسبانيا من الإقليم والذي تم في 1976م قد جعل كل من المغرب وموريتانيا يستأثران باقتسام الصحراء بينهما شمالا (الساقية الحمراء) للمغرب في مسيرته المعروفة بالمسيرة الخضراء بأمر من سلطانها الحسن الثاني، وجنوبا (وادي الذهب) لموريتانيا، فما كان على ثوار الاقليم إلا حمل السلاح دليل الرغبة في استقلال الاقليم. 

1ـ منطلقات القضية الصحراوية:

      طال الاحتلال الاسباني المباشر على اقليم الصحراء المطلة على المحيط الأطلنطي سنوات طوال (1884 الى 1976م)، لاق فيها الصحراويين استغلالا استعماريا بشعا للأرض والبشر، فهي التي تزخر بمادة الفوسفات بالدرجة الاولى الى جانب مواد أولية اخرى ناهيك عن الثروة السمكية الهائلة التي تتوفر على شريطها الساحلي الممتد مقابل استغلال وإهمال كلي لساكنتها من كل النواحي لاسيما الجوانب الصحية والتعليمية.

       كانت أعين المملكة المغربية وهي تحت نير الاستعمار الفرنسي على اقليم الصحراء(الساقية الحمراء ووادي الذهب) رغم أن الصحراويين شاركوا في ثورات ضد الاستعمار الفرنسي أعلنت إسبانيا 1969 أن الصحراء الغربية "محافظة إسبانية"، لكن طالبتها الامم المتحدة عام 1965 بانهاء استعمار الصحراء، وعام 1966 قدمت كل من اسبانيا والمغرب وموريتانيا عريضة تدعي فيها أن الصحراء جزاءا منها فاتخذت الجمعية العامة قرار قاضي بتنظيم استفتاء تقرير المصير للمنطقة. تم انسحاب اسبانيا في جوان 1969 من منطقة سيدي ايفني جنوب المغرب، وبقي الصحراويون ينتظرون الفرج الى ان انتفضوا في جوان 1970م في مدينة العيون ضد الاسبان(انتفاضة الزملة) وانتهت بمقتل وجرح واعتقال العديد من الصحراويين. 

      بعد اقتسام الاقليم بين موريتانيا والمغرب كما ذكر في التمهيد أعلاه، أضحت الصحراء مشكلة كبيرة في القارة الافريقية ومحافل حركة عدم الانحياز، وعلى طاولات النقاش العربي في جامعة الدول العربية ثم في محافل الاتحاد الافريقي، ومع امتدادها زمنيا لم تعد مشكلة بل أضحت قضية لما استعصى حلها. وشوكة في نمو جسم الاتحاد المغاربي نموا سليما، بين المقترح الصحراوي المدعوم من دولة الجزائر بالاستفتاء حول تقرير المصير (والمطالبة الصريحة بالاستقلال) والمقترح المغربي اعتماد الحكم الذاتي في اطار السيادة المغربية، وعدم التوافق كان النزاع العسكري ممتدا منذ1976 الى 1991م ليتحول الى نزاع سياسي (دبلوماسي) في بحث كلا الطرفين على حشد التأييد الدولي، وهو النزاع الذي لا بد أن يتوقف يوما حتى تعرف المنطقة المغاربية الاستقرار والاتحاد في اطار النهوض بتنمية المنطقة المغاربية تنمية شاملة.

وللإشارة أنه بعد الضغوط العسكرية من جانب جبهة البوليساريو والخسائر التي منيت بها موريتانيا في عديد من المواجهات العسكرية، لاسيما في هجومها على العاصمة نواكشط إلى جانب تدخل الجزائر تمخض عنه الانسحاب التام لموريتانيا من اقليم الصحراء(وادي الذهب) وانعقد الاتفاق بتاريخ الخامس أوت 1979م، لكن في اطار السياسة التوسعية للمغرب بمجرد انسحاب موريتانيا من وادى الذهب راح يحتل الاقليم.  

2ــ جبهة البوليساريو

     تم الاعلان عن تأسيس "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" (بوليساريو) بتاريخ 10 ماي 1973م، وشرعت في تنفيذ أولى عملياتها العسكرية ضد الاستعمار الاسباني.  

    عزمت اسبانيا على اجراء استفتاء تقرير المصير بعد ان قدمت احصاء سكان اقليم الصحراء (بقي لليوم مرجعية لدى الامم المتحدة رغم تبدل الظروف)، تحرك المغرب على اثرها بشكوى لمحكمة العدل الدولية بشأن الصحراء في ذات السنة. ولما طلبت جمعية الأمم المتحدة في اكتوبر 1975 اجراء الاستفتاء صدر قرار محكمة العدل الدولية بعد يومين نص على وجود علاقات تاريخية بين الصحراء الغربية من جهة والمغرب وموريتانيا من جهة ثانية، لكن القرار قال أيضا أنه لا توجد أي "روابط للسيادة الترابية بين أراضي الصحراء الغربية من جهة، ومملكة المغرب أو مجموع التراب الموريتاني من جهة أخرى". وراح المغرب ينظم المسيرة الخضراء في نوفمبر 1975م بمشاركة 350 الف مغربي على رأسهم الملك الحسن الثاني، وفي ذات الشهر وقعت اتفاقية مدريد لانسحاب اسبانيا النهائي من اقليم الصحراء وتقسيمها بين الدولتين موريتانيا والمغرب. وبعد انسحاب كلي لاسبانيا في جانفي 1976 أعلنت جبهة البوليساريو تأسيس"الجمهورية العربية الصحراوية الشعبية الديمقراطية" التي ظل مقرها قائما في تندوف (جنوب الجزائر)، وشكلّت أول حكومة صحراوية، وصارت القطيعة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب.

وراحت موريتانيا لتوقع اتفاقية مع المغرب بشأن تقسيم الصحراء فيما بينهما في 14 افريل، لتندلع معارك حرب ضروس بين الدولتين من جهة وبوليساريو من جهة أخرى. ومنه الذي ذكرناه وقاده  رئيس البوليساريو مصطفى السيد الذي لقي حتفه عند التدخل1976، لينتخب بعده "محمد عبد العزيز". جراء المتاعب الحربية التي عانتها موريتانيا تم الانقلاب على الرئيس "ولد داده" وعين بدله العقيد "المصطفى السالك" رئيسا للبلاد.

     سلسلة من المحاولات للعدول عن لغة السلاح والتحوّل إلى لغة الدبلوماسية عرفتها القضية الصحراوية، ابتداءا من 1979 من بماكو(مالي)، ومساعي حميدة كثيرة في الامم المتحدة ومنظمة الوحدة الافريقية (تسمية قديمة قبل تحولها الى الاتحاد الافريقي). ونظمت لقاءات مباشرة بين الطرفين منها في الجزائر عام 1983م، الى غاية تشكل بعثة المينورسو 1991م بناءا على توصيات مجلس الأمن الدولي لأجل بدء تطبيق سريان وقف اطلاق النار وانتشار مراقبي الأمم المتحدة وجمدت على اثرها نشاط القوات العسكرية.

3ـ الجولات الدبلوماسية لتسوية القضية الصحراوية

جولات دبلوماسية كثيرة عرفتها القضية الصحراوية لم تنتج عن تسوية القضية تسوية نهائية.

      راح المغرب عام 1980م ينشأ جدارا أمنيا على امتداد 1200 كلم لحماية مناجم الفوسفات والسكان من هجمات البوليساريو. بقي المغرب يقبل بمبدأ استفتاء تقرير المصير في الصحراء (جوان1981 ثم 27 سبتمبر 1983 ) ويعدل عنه تارة مما جعل الوضع غير مستقر.

    اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار حول اجراء مفاوضات مباشرة بين اطراف النزاع، وعادت العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب مجددا عام 1988، ووافق المغرب والبوليساريو على خطة السلام لوقف اطلاق النار وتنظيم الاستفتاء، وأٌعلن القيام عن ميلاد اتحاد المغرب العربي فبراير1989م، لتتعثر الجهود مرة أخرى.

       تأسست هيئة بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية ويشار إليها اختصارا "المينورسو" (MINURSO) بقرار أممي لمجلس الأمن للأمم المتحدة رقم 690 في أفريل 1991 واتخذت مدينة العيون مقرا لها،  تمثلت مهمتها الأساسية تنظيم الاستفتاء لتقرير المصير على شكل خيارين في بادئ الأمر؛ الاندماج مع المملكة المغربية أم الاستقلال عنها.

     طرحت الأمم المتحدة مشروع حل سياسي في عهد أمينها العام "كوفي عنان" مقدما أربع خيارات في 20 فيفري أمام مجلس الأمن الدولي جاء فيه؛

1ـ تنظيم استفتاء دون شرط الاتفاق بين طرفي النزاع

2ــ الحكم الذاتي للصحراويين في إطار السيادة المغربية

3ــ تقسيم الصحراء بين جبهة البوليساريو والمغرب وسحب بعثة المينورسو. 

4- سحب الأمم المتحدة للمراقبين الدوليين العاملين في الصحراء وترك الأطراف المعنية وشأنها.

أــ الاختلافات المحورية بين أطراف النزاع:

أولا: أحقية التصويت في الاستفتاء المنتظر، قدمت المغرب مئات الطعون تصر فيها على ضرورة اشراك قبائل صحراوية في قوائم المستفتين بعد أن كسبتها لصفها، وفي المقابل ترفض البوليساريو الفكرة وتوافق الاقتراح المقدم من طرف بعثة المينورسو القاضي بـحق تصويت الصحراويين كما حددتها اسبانيا عام 1974. وأنشئت في ماي 1993 "لجنة التحقق من الهوية" (هوية الناخبين الصحراويين الذين يحق لهم الاستفتاء) التابعة للبعثة الأممية تحت رئاسة "إيريك جينسن"، وأعلن عن تجميد عمل اللجنة بعد الخلافات الحادة بين الطرفين المتنازعين. 

وبعد التوقيع على اتفاقية هوستن الشهيرة عام 1997 الناصة على تحديد هوية الناخبين في الاستفتاء، وتبادل أسرى المعارك وإعادة توطين اللاجئين راحت لتجمد عام 1995 لاعتبارات كثيرة.

     بقيت ذات الخلافات حول من له أحقية التصويت على الاستفتاء حتى بعد تغيير القادة الحاكمين واعتلاء الملك "محمد السادس" (الشاب) عرش المغرب عام 1999، ومحاولات حثيثة باءت بالفشل.

     وبذلك ما زالت الخلافات موجودة حول الشروط الواجب توفرها في الناخبين، وما زالت الصعوبات الإجرائية والميدانية تحول دون تنظيم الاستفتاء. 

ثانيا: الاستفتاء على تقرير المصير أم خيار الحكم الذاتي الذي تـنحو له المغرب، وبعد سنوات تم اقتراح خيار ثالث اعتبر سياسيا للنزاع القائم في منح حكم ذاتي موّسع دون دمج كلّي في المغرب، و ما زال تصلب مواقف الطرفين مستمرا.

ثالثا: رفض المغرب بالدرجة الأولى طلب مراقبة الوضع الانساني للصحراوين بحجة خروج البعثة عن هدفها الأصلي الذي هو "الاستفتاء". 

ب ــ عثرات المينورسو وإدارة الفشل

     منذ تشكيل البعثة عام 1991 لم تعرف رئاستها استقرارا، وهذا وحده دلالة على عدم قدرتها في المضي قدما نحو حلحلة النزاع، فلم يكن سبب انسحاب رؤساءها نقصا في كفاءتهم أم استهتارا بمهمتهم، فلكل سيرة ذاتية ثرية وخبرة مشرِّفة في العمل الدبلوماسي وفي عمليات حفظ السلم وغيرهما من المهام النبيلة، ومن اللذين بقوا مدة أطول مقارنة بزملائهم نذكر؛ "إيريك جينسن" المعين من طرف الأمين العام للأمم المتحدة "بطرس غالي" ممثلا خاصا بالنيابة من 1994 إلى 1997، تلاه "جيمس بيكر" عينه الأمين العام "كوفي أنان" عام 1997 إلى تاريخ استقالته سنة 2004، مصرحا على إثرها باستحالة حل النزاع بعدما عمل على تقديم خطتين (بيكر الأولى والثانية) موسعا دائرة الأطراف على طاولة الحوار بإشراك دول الجوار الجغرافي ــ حتى وإن كانت ليست طرفا في النزاع ــ  بإلحاح من المغرب ومع ذلك تعثرت الجهود بعد رفض المغرب للخطتين.

     حاول المدير الأسبق لصندوق النقد الدولي "هورست كولر" المعين من طرف الأمين العام "أنطونيو غوتيريس" بتاريخ 16 أوت 2017 على رأس المينورسو، أن يجمع هو الآخر الجزائر وموريتانيا والمغرب والبوليساريو على طاولة واحدة لفض النزاع ... لكنه استقال في ماي 2019 وإن ردت الاستقالة لأسباب صحيّة إلا أن الواقع قد لا يكون كذلك.

وأطول مدة لمبعوث أممي في الصحراء الغربية حصل على لقبها الدبلوماسي الأميركي "كريستوفر روس" الذي عينه الأمين العام "بان كي مون" من جويلية 2009 إلى الثامن مارس2017 بعد أن طالته الكثير من الانتقادات والتهم على رأسها الانحياز إلى طرف واحد في النزاع، وكانت المغرب كلما رأت في رئيس البعثة بواعث على الايمان بقضية الصحراويين إلا واتهمته بالانحياز إلى جبهة البوليساريو وكل من يدعمها.

وكثيرا ما بقي كرسي رئاسة البعثة شاغرا لتجنب كبار الدبلوماسيين للقضية، والإشكال الأكبر يكمن في عدم مواصلة الجهود التي قام بها السابقين والانطلاق معظم المرات من نقطة الصفر، مع تداخل ظروف دولية وإقليمية تغير مجرى الحلول المقترحة.

      وما زاد من تعثر المينورسو هو تعنت النظام المغربي وتناقض قراراته وعدم ثباتها مما أضعف دور البعثة الأممية في الصحراء، فكلما سار الملف نحو الانفراج بقبول التفاوض يعود المغرب للتراجع، وحتما هو استنادا لمقترب صنع القرار السياسي الذي يتماشى مع مجموعة من الفواعل الداخلية والخارجية (الاقليمية والدولية)، فلا يمكن إخفاء تأثير التوازنات الإقليمية والدولية لاسيما دور الدول الكبرى في إضعاف الهيئة الأممية في تدخلاتهما المتعددة بشكل مباشر أو غير مباشر وفي قبول مقترحاتها أيضا.  

     يرجع العديد من المحللين في الشأن السياسي عثرات البعثة إلى قرارات المغرب التي زادت من تعميق النزاع منذ عهد الملك "الحسن الثاني" نذكر منها بالبرهان ما يلي؛ 

     بعد أن كاد النزاع يعرف الانفراج لما أعلنت المغرب قبول إجراء الاستفتاء لأجل تقرير المصير في جوان 1981، وتأكيد ذات القرار في سبتمبر 1983، أتت ظروف إقليمية وعلى رأسها اعتراف موريتانيا بصحراوية الصحراء في فيفري 1984 وزد عليه منح الجمهورية الفتية العضوية في المنظمة الافريقية في ذات السنة، جعل الملك يغير من قراراته كلّيا، ليعلن عن رغبته في تولي الأمم المتحدة الإشراف على حل النزاع؛ أي دون تدخل المنظمة الافريقية.

     عودة العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب عام 1988 سمح بإنشاء فكرة البعثة الأممية "المينورسو" لكن سرعان ما تراجعت المغرب عن قرارها مٌخلِفة وعودها أمام المجتمع الدولي، بل راحت لإيقاف مسار الاتحاد المغاربي عام 1995، ومن الأسباب المباشرة هو نقص هاجس الخوف المغربي من قوة الجزائر المحورية في الإقليم المغاربي لما دخلت هذه الأخيرة في دوامة العشرية السوداء واهتمامها بشأنها الداخلي في مكافحة الإرهاب. وساعد المغرب الظرف الدولي الجديد في اتخاذ ذلك القرار من خلال التحوّل العالمي للقطبية الواحدة والمشاورات والاتفاقات السرية الأمريكية ــ المغربية بشأن المساندة والمساعدة حتى تبقى الصحراء مغربية.

      رفضت المغرب إجراء استفتاء عام 2004 وبذلك أفشلت كل الجهود الرامية إلى كسر الجمود بين الطرفين في ظل توقف المفاوضات السياسية، وما ساعدها في ذلك المساندة والتدعيم الأمريكي للرأي المغربي القاضي بترجيح فكرة الحكم الذاتي، ناهيك عن المساعدات المالية منها المنضوية تحت هيئة تحديات الألفية بغرض مكافحة الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي وقد حصلت المغرب على أكبر منحة في جانفي 2004. وتوالت  المساعدات الامريكية العسكرية من خلال اشراك المغرب في الحرب العالمية ضد الارهاب ثم في مكافحة الارهاب في منطقة الساحل الإفريقي، وفي ذات السنة كان الرئيس "بوش الابن" قد صرح أن المغرب الحليف الهام بعد حلفاء الناتو. وللإشارة أن ذات التدعيم تتلقاه المغرب من فرنسا، فزاد تأكيد اشراكها في مكافحة الارهاب في منطقة الساحل الافريقي عام 2013. 

     تكتم المينورسو عن الأحداث الواقعة في الصحراء الغربية هو الآخر مثبط لإدارة النزاع ومنها زيارات المفوضية السامية لحقوق الإنسان لمناطق من الصحراء الغربية إلا وكانت مظاهرات الصحراويين رافعين فيها رايات الصحراء الغربية ومطالبين بتقرير المصير، ويقابلون بالعنف كالضرب والإهانة والسجن وما يحدث في غياهبه من تعذيب بكافة أشكاله. 

      اقتصر دور الهيئة الأممية على "الحراسة"؛ فلم يخرج عملها عن هيئة حارسة في إطار مراقبة تحركات القوات المتواجدة في الصحراء الغربية من الجيش المغربي التابع للقوات المسلحة الملكية المغربية والجيش الصحراوي التابع لجبهة البوليساريو في إطار تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار من طرفي النزاع، وزادها ضعفا توقف مفاوضات الأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية منذ ماي 2019 بعد استقالة المبعوث الألماني الأصل "هورست كوهلر". 

   ولما عادت القضية الصحراوية إلى الساحة السياسية الدولية بعد العملية العسكرية على معبر الكركرات نوفمبر2020 (انظر المراجع المدعمة للمحاضرة) ظهر غياب شديد للمينورسو حيث اشتدت المعارك بين الطرفين المتنازعين مخالفة اتفاق وقف إطلاق النار الذي تحرس الهيئة على الالتزام به، فلم يشهد العالم حتى تحديث لموقعها الالكتروني.  تجدر الإشارة على أن مدة التمديد مهمة بعثة المينورسو تنته بتاريخ 31 أكتوبر 2021 حسب قرار مجلس الأمن الدولي2548 وما هو إلا تمديد لمعاناة الشعب الصحراوي، وصوتت لذلك 13 دولة بامتناع روسيا وجنوب افريقيا. 

4ــ السيناريوهات المستقبلية للقضية الصحراوية

أـ تآكل جبهة البوليساريو من الداخل وتعويضها بجبهة موالية للمغرب: تراهن المغرب على إمكانية إحداث شرخ سياسي بين قيادات البوليساريو وتطور ذلك الشرخ وعدم القدرة على إدارته يجعل الجبهة تتآكل من الداخل وتنهار.

      تعمل المغرب على انجاح هذا السيناريو منذ سنوات وإن لم تقدر على تنفيذه بصفة كاملة إلا أنها دائبة المحاولة فيه، من خلال تقنيات الادارة بالأزمات، والدعاية السياسية المغرضة، وفي اطار فوضى غير الخلاقة، من خلال توجيه تلك الفوضى وإدارتها للوصول للمبتغى. ومن خلال وسائلها المخابراتية تعمل المغرب على تغيير ولاء شخصيات صحراوية كبيرة المقام في جبهة البوليساريو وشراء ذممها من خلال اغراءات وامتيازات مالية ومعنوية لـقتل روح القضية الصحراوية. 

بدأً من إحداث "شرخ مجتمعي" في مخيمات اللاجئين عن طريق الدفع نحو "التنازع القبلي" الذي لا يمكن اخفاءه بين أكبر الأسر فيها (البيهات) و(السواعد) ويدخل ذلك في استراتيجية ربح الوقت بالنسبة للمغرب، إضافة إلى استقطاب عدد من اللاجئين الصحراويين للرجوع لعوائلهم في العيون والسمارة وبوجذور وغيرها من الأقاليم ومدن الصحراء الغربية، وكانت المبادرة الأولى من طرف الملك "الحسن الثاني" تحت تسمية "الوطن غفور رحيم" عام 1988م وقد استجاب له عدد من الصحراويين، وعاد رئيس الحكومة المغربي "سعد الدين العثماني" لتكرار ذات المبادرة بعد أزمة الكركرات (2020). ولقد قامت المغرب منذ المسيرة الخضراء بتوطين مغربيين من خلال عملية استقطاب الموظفين والعاملين المغاربة إلى العمل في الصحراء الغربية بمرتبات عالية حتى يعمرون المنطقة ويصبح "صحرواي" الأصل يمثل الأقلية فيها، وحالة ما نظم الاستفتاء يكون الفوز حليف مشروع الحكم الذاتي من خلال المغاربة المستوطنين في المغرب منذ أزيد من أربعين سنة.

       ومن الشرخ المجتمعي إلى الشرخ السياسي وقد ظهرت لذلك حركات انفصالية عن جبهة البوليساريو منها؛ خط الشهيد الداعية للتفاوض مع المغرب لأجل التسريع في فض النزاع، "المبادرة الصحراوية من أجل التغيير" (2017) التي انشقت عنها مبادرة أخرى سميت بــ "الصحراويين من أجل السلام"، ثم الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي وفي الغالب انشقوا عن جبهة البوليساريو. وإنجاح الشرخ السياسي يتوقف بالدرجة الأولى على العمل المخابراتي المغربي في اذكاء الفتن بين الصحراويين وجبهة البوليساريو من جهة وبين قادة البوليساريو من جهة أخرى بتقينات تقليدية وأخرى حديثة على رأسها تقنيات الحرب الالكترونية(انظرنبيلة بن يوسف، " الحرب الإلكترونية المغربية القذرة: المخابرات تُلفق التهم الواهية للجزائر بعد فشل مساعي دبلوماسية  المخزن على  صفحات الجريدة الالكترونية اخبار دزاير بتاريخ 14/03/2021).

اتهام قادتها بسرقة المساعدات الانسانية وإعادة بيعها لدول مجاورة في السوق السوداء لاسيما المواد الصيدلانية، بل راحوا الاتهام إلى التورط في قضايا الارهاب. وتتواصل الاتهامات حتى يفقد الصحراويون الثقة في قادة البوليساريو ويشككون في نواياهم الحقيقية وقد تكون الانشقاقات التي ذكرت أعلاه ارهاصات لتآكل البوليساريو من الداخل، وبالتالي القدرة على شراء الولاءات لاسيما الفئة الشابة من الصحراويين المقيمين في الخارج أو في المغرب أو في الصحراء الغربية الواقعة تحت الحكم المغربي.

 ب ــ سيناريو الحرب: يمكن أن تنتهي مهمة المينورسو في حالة اللجوء إلى الوسيلة الحربية بين طرفي النزاع وعدم تراجع كلاهما؛ ومؤشرات التصعيد بارزة للعيان في أعمال وتصريحات طرفي النزاع من خلال رفض صريح لجبهة البوليساريو لقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن تمديد مهمة المينورسو إلى غاية 31 أكتوبر 2021 (بعد أزمة الكركرات)، بل والتشكيك في مصداقية البعثة الأممية والتهديد بتصعيد الكفاح المسلّح لتقاعس الأمم المتحدة عن لعب دورها في فض النزاع. 

        ترى جبهة البوليساريو نفسها الخاسر الأكبر بعد طول انتظار الحل من خلال الاحتكام إلى القانون الدولي، وأضحت عملية اللجوء إلى السّلاح ضرورة لاسيما عند الكثير من جنودها المدربين الذين طالهم الملل وهم على أهبة استعداد للحرب، ناهيك عن طول بقاء زملاءهم المحتجزين في السجون المغربية، ومعاناة عوائلهم، اضافة الى نفاذ صبر بعض الشباب الصحراوي والذي شكّل ما أسميّ بشباب التغيير الصحراوي العازمين على القتال.  

       ولا تسمح المغرب بأي منافذ تنفس سياسي أو جمعوي للصحراويين لرفع مطالبهم، إضافة إلى منع زيارات البعثات الدولية لكشف الوضع الانساني فيها، وحالات القمع المختلفة الأشكال التي يقابل بها النشطاء الصحراويين في إطار عدم عدالة المحاكمات.

       وإن كان المغرب بعيدا عن فكرة اعتماد الحرب كوسيلة للوصول للغاية، إلا أنه من خلال تصريحات بعض وزراءه منها تصريح وزير الخارجية "ناصر بوريطة" حين قال: "المغرب لن يتفاوض مع العصابات وقطاع الطرق"؛ إشارة إلى عدم اعترافه بالبوليساريو تأكيدا على السيناريو الأول، ومع انبعاث أزمة الكركرات إلا وكانت تصريحات السلطات المغربية على ضرورة الرد دفاعا عن النفس والوحدة الترابية، رغم أن خيار الحرب سينهك كاهل المغرب ماليا ويضاعف الأزمات فيه إلا أن اتكاله على الحلفاء يجعله لا يرهب الحرب.

       تعتبر الحرب في بعض الحالات المستعصية بنية تفسيرية لإقناع المجتمع الدولي في ضرورة التسريع بحل توافقي، فقد يكون استخدام القوة العسكرية مسرعا لحل سياسي.

      خلال أزمة الكركرات راحت الأمم المتحدة لتؤكد على الدعوة إلى "استئناف المشاورات" بين المبعوث الأممي وأطراف النزاع اضافة إلى اشراك دول الجوار، لأجل التوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم، وكانت الدعوة المتجددة لمجلس الأمن عام 2020 هي العمل على تهدئة التوترات والحفاظ على الهدوء العام، وإجراء عمليات إزالة الألغام الخطيرة، ودعم العمليات الإنسانية ومنع انتشار كوفيد-19 فقط. 

       قد تعجل المواجهة العسكرية المباشرة التفكير في الحل بجدية من طرف المجتمع الدولي في سبيل تحقيق أهم مبدأ تقوم عليه الأمم المتحدة (تحقيق الأمن والسلم الدوليين)، لاسيما وأن الحرب ستكون على تخوم الساحل الافريقي المكهرب. 

       كما قد تقرع طبول الحرب بين الجارتين جغرافيا الجزائر والمغرب، فعوض الاكتفاء بتنبؤ سيناريو الحرب بين الخصمين المباشرين، فإن بعض الأحداث قد تؤكد أن التنبؤ بسيناريو الحرب بين المتخاصمين لأجل قضية الصحراء في أول خطوة تعلن الجزائر صراحة قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، بل راحت لتعلن رفضها الرسمي العودة لمحادثات المائدة المستديرة التي توقفت منذ ماي 2019م، وما يفيض الكأس هو مقتل ثلاثة جزائريين سائقي شاحنات لنقل البضائع بين موريتانيا والجزائر يوم الاثنين؛  أي ثلاثة أيام بعد تنصيب المبعوث الأممي على رأس المينورسو وفي غمرة احتفال الجزائر بالعيد 67 لاندلاع الثورة التحريرية الكبرى. أكدت الجزائر رسميا أن الحادث مقصود من طرف المغرب بواسطة سلاح متطور  أثناء مرور الشاحنتان الجزائريتان على أراضي الصحراء الغربية تحديدا في منطقة بير لحلو فيما يسمح له قانون تنقل البضائع بين الدول. 

وأخذ الاعلام العربي والعالمي على رأسه الإعلام الفرنسي في تحليل سيناريو الحرب بين الجارتين المتخاصمتين من طرف المحللين السياسيين والعسكريين، وأشعلت وسائل التواصل الاجتماعي بدورها احتمال نيران الحرب بل راح البعض يهلل لذلك خاصة بعد توعد رئيس الجمهورية الجزائرية برد مناسب (لم يحدد نوعه).

وتحليلا للحادثة لا شك أن عملية قصف الشاحنتين لا يخدم المغرب كليا بعد أن نالت مرغوبها في تمديد مهمة المينورسو مرة أخرى، لكن في ارتباطها مع دول ترى فيها حامية فد ترتكب تلك الحادثة الخطيرة النتائج، وقد ردت المغرب رسميا بنفيها التهمة على قواتها وفسرتها بمرور تلك الشاحنتان على خط ملغم  في المنطقة العازلة بل راحت لتصرح ان الشاحنتان كانتا تحملان سلاحا لجبهة البوليساريو. 

إضافة الى قطع الجزائر للعلاقات معها فإن  قرار الجزائر بعدم تجديد عقد اتفاق خط أنبوب الغاز المغربي ـ الأوروبي* منذ تاريخ 31 اكتوبر 2021 ـــ هو ذات تاريخ اجتماع مجلس الأمن بشأن المينورسوــ قرار مفاجئ لم تستعد له المغرب ليحدث في ظل فصل الشتاء البارد أين يزداد الطلب عليه. كما قد تكون فكرة جر دولة لأخرى لسيناريو الحرب خطة للتسريع في فض النزاع وتسريع الحل لقضية الصحراء الغربية.

       يمكن لهذا السيناريو التحقق وقد سبق للجارتين الحرب عام 1963 (حرب الرمال)، لكنه سيناريو تشاؤمي للغاية وغير عقلاني ومدمر لطرفي النزاع والدول المجاورة لها ولدول الساحل الافريقي عامة، وليس في صالح القضية التحررية،  لاسيما في حالة عدم القدرة على توقيف رحى الحرب وتكون مقدمة للتدخل الانساني بموجب حماية حقوق الانسان والحريات والأقليات، أو بحجة مكافحة الارهاب في الساحل وهي ذرائع شائعة وقد تسبقها إحدى حليفات المغرب بإقامة قاعدة عسكرية على أراضيها وتمهد للعالم بإنشاء قواعد جديدة في المغرب بدأ بالمناورات العسكرية في إطار تعزيز التعاون العسكري الامريكي ـ المغربي ومواجهة الارهاب في الساحل الافريقي مناورات الأسد الافريقي في مدينة الطنطان الصحراوية، ناهيك عن الشريك القديم ـ المتجدد الذي تم الافصاح عنه وهو اسرائيل بكل ما له من أحقاد على المنطقة وتحديدا الجزائر، وبكل ما يملك من قوة الآلية العسكرية والتكتيك الحربي يمد بها المغرب والقوة الاعلامية ليشعل فتيل حرب سيبريانية خطيرة. 

      رغم سعي الأمم المتحدة في دعم قضايا تحرر الشعوب وإنهاء الاستعمار إلا أن مهامها تتعثر على مر المحاولات في فض نزاع الصحراء الغربية، ومسار الاستفتاء المنتظر من زمن لم يتطور وبقى حبيس الخلافات، ما جعل البعثة الأممية المشكّلة لهذا الغرض يقتصر عملها على حراسة تطبيق اتفاقية وقف اطلاق النار بين طرفي النزاع، والقيام ببعض المهام الانسانية في المنطقة، وبهذا هي تتحوّل عن الدور المحوري (تنظيم استفتاء حول تقرير المصير) إلى أدوار ثانوية. 

عن الكاتب

Unknown

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

مرات المشاهدة هذا الشهر

المتابعون

جميع الحقوق محفوظة

طالب علوم الإعلام و الإتصال