ماهية الثقافة الجماهيرية
مقدمــة:
عرفت وسائل الإعلام والاتصال خلال القرن 20 وبعده تطورا سريعا من ناحية الكم والنوع وأصبحت تشكل جزءًا من حياة الإنسان المعاصر، كما راح هذا التطور يؤثر على الجانب المادي والفكري من حياة البشر واستطاعت هذه الوسائل أن تلف حولها جماهير غفيرة في وقت وجيز، كما ظهرت بفضل هذا التطور مفاهيم جديدة لم تكن موجودة من قبل كالثقافة الجماهيرية، وأصبحت العديد من التعبيرات مألوفة بعدما كانت متناقضة من قبل كالسلع الثقافية الصناعية الثقافية، كما كان ينتظر أن تعطي تكنولوجيا المعلومات الحديثة دافعا قويا يكسبه قوة الانتشار ووضوح الرسالة سقطت العديد من الأنشطة الثقافية، في ممارسات همشت الثقافة من خلال نشر صور العنف، المحتوى الترفيهي ذو المضمون التافه وإذاعة الأنباء السطحية.
كما تم طرح عدة إشكاليات حول وسائل الإعلام وما تقدمه من مضامين وكذلك إشكالية الفاصلة بين الثقافة الجماهيرية والنخبوية وعن مدى تأثير هذه المضامين والمحتويات على الجمهور المتلقي
ولكن بعد عرضنا لهذه الوسائل وما صاحبه من ظهور مفاهيم جديدة فماهية كل واحد منهم؟ وكيف ظهرت إلى الوجود وما هي العلاقة القائمة بينهم، وما هي مختلف وجهات النظر حول المضامين التي تقدمها؟.
الفصل الثالث: ماهية الثقافة الجماهيرية:
المبحث الأول: مفهومها:
وتشير إلى نطاق واسع من الثقافات الشعبية وتشمل الترفيهات العروض الموسيقية.
وقد عرفها عبد الرحمان عزي: على أنها هي تلك المحتويات التي تبثها وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية في المجتمع التقني الواسع ويشترط في وجودها المجتمع الجماهيري.(1)
- ويمكن حصر مجموعة التعاريف التي أعطيت للثقافة الجماهيرية:
يرى البعض أنها كل التعبيرات والمواد الثقافية التي تنشرها وسائل الاتصال الجماهيرية، ويرى آخرون أن الثقافة الجماهيرية تقوم في البداية على تطوير وسائلها الخاصة وعلى رأسها الراديو والسينما.
وعامة يشير الاستخدام الشائع لاصطلاح الثقافة الجماهيرية إلى السلع المصنعة من السوق الجماهيرية التي تقدم صور منطقية والتي يستجيب لها الجمهور على عكس الثقافة العليا التي تقدم مضمون تراعي فيه التقاليد الجمالية كما تعتبر الثقافة الجماهيرية هابطة، كما أن مستواها أدنى من مستوى الثقافة العليا ولهذا كانت محور أفكار الدراسة النقدية.
المبحث الثاني: أسباب ظهورها.
إن التغيير الذي صاحب ظهور الثورة الصناعية وظهور التكنولوجيا وتوسع الأنشطة الإجمالية داخل المجتمع زاد من وقت الفراغ الاجتماعي وهذا ما ولد حاجة الناس المتزايدة للمعلومات والثقافة والترفيه ظهور وسائل اتصال جماهيرية وكان سببا لظهور مشكلة إعلامية جديدة عرفت في القرن 20 بظاهرة الثقافة الجماهيرية أي المضمون الثقافي الهابط(2) والذي نشرته وسائل الإعلام في النصف الثاني من القرن 19 وبداية القرن 20، كما لعبت الطباعة دورًا في تطور المجتمع الجماهيري وسميت بإمكانية التوزيع والنشر إلى أعداد هائلة من الأفراد، كما حطمت الديمقراطية السياسية التعلم الشعبي واحتكار الطبقة العليا في القديم للثقافة وبدأ دور الجماهير يظهر إلى الوجود والحياة كما وجدت المشروعات التجارية سوق مربحة لإشباع الطلبات الثقافية للجماهير وسمح التطور إمكانية إنتاج السلع من المطبوعات بمكيات ضخمة وبأبعاد منخفضة لإشباع حاجيات الطبقات الجديدة.
المبحث الثالث: أنواعها وخصائصه.
أ- انواعه: هناك ثلاثة أنواع من الثقافات:
1) الثقافة العليا أو الراقية: وتشير إلى العمل الدؤوب الذي تقدمه الموهبة العظيمة والعبقرية إذ يحاول نشر أقصى درجات الفن الذي صنعته الهوة الثقافية وهي ثقافة النخبة والموهبة الخلاقة وأصول النقد والفكر والأدب والفنون ونمتا بمراعاتها للتقاليد الجمالية.(1)
2) الثقافة الجماهيرية: وتشير إلى السلع الثقافية المنتجة فقط من أجل السوق الجماهيري وهي سلع متماثلة متشابهة تميل إلى إرضاء أذواق الجمهور المتنوع وفقا هذه الثقافة تجذب وليست أصيلة تمامًا.
3) الثقافة الشعبية الفن الشعبي: وهو الموهبة الطبيعية للشخص العادي الذي ينتمي إلى الطبقة الشعبية الأغاني، والرقص الشعبي والرسوم البدائية وقد استمدت الثقافة الجماهيرية مضمونها من الثقافة الشعبية وكانت هي الأولى قبل انتشار وسائل الاتصال، وكانت تختلف عنها تمامًا. فالثقافة الشعبية حتى قيام الثورة الصناعية كانت موجهة للجماهير العادية كما أحدثت فنونهم الشعبية ثورة فصلتهم عن الثقافة الرفيعة وأما الثقافة الجماهيرية فكانت مفروضة من رجال الأعمال أو لوردات الثقافة الجماهيرية واستغلوها لإشباع حاجيات الجماهير الثقافية وتحقيق مكاسب تساعدهم على الاحتفاظ بنفوذهم الطبقي ولكن حطمت الثقافة الجماهيرية فيما بعد الجدار بين الثقافة العليا والثقافة الشعبية، حيث أدمجت قطاعات الشعب المختلفة وقدمت لهم كمًا يقول البعض ثقافة رفيعة هابطة وعليه فإن مادة الثقافة الجماهيرية استمدت مضمونها من نوعين هما: الفن الراقي والفن الشعبي.(1)
ب- خصائص الثقافة الجماهيرية: وتتميز أربع (4) خصائص منها:
1) النمطية والمعيارية: فكل أشكال الثقافة المتنوعة التي تبثها وتنشرها وسائل الإعلام من مسلسلات وأفلام ومسرحيات وموسيقى وأشرطة، فهي منتجة حسب شكل معين وحسب النمطية السائدة في المجتمع.(2)
مثال: فالتلفزيون ينتج منتوجات نمطية مثل الكراهية، الحب، الغيرة، الحقد...إلخ.
فالمسلسل الجزائري يحاول أن ينمط إنتاجه حسب النمطية السائدة لأن أذواق الناس قد ربيت على هذا النمط وهذا ضمانًا لنجاح المنتوج فالثقافة الجماهيرية تختص بالنمطية المعيارية إذ ما دام كل الناس متماثلين وأسلوب كمعيشتهم واحد استهلاكهم واحد لهذا نقدم لهم محتوى واحد كما يوجد المحتوى النمطي أيضا في المواد الخالية والدرامية والترفيهية.
2) ترسيخ قيم الامتثالية: تعمل على تثبيت الأنماط الاجتماعية والثقافية السائدة أي أنها كسرت الحواجز القديمة للطبقة والتقاليد والذوق وأذابت كل التمايزات الثقافية وهي تمزج كل شيء معًا لننتج ما يمكن تشميته بالثقافة المتجانسة والمتماثلة.
مثال: مشاهدة الجمهور لمحتوى نمطي أو اجتماعي أو ديني أو بوليسي أو تاريخ ...إلخ فإن تلك القيم التي تشاهدها تبقى راسخة في ذهنه وتبقى مثالا لا يحتذى به ويقلدها.
3) تنمية النزعة استهلاكية: وذلك بالاعتماد على الإشهار وتسويق البضاعة المادية وارتباطها بالترفية وملأ وقت الفراغ.
مثال: فالإعلان عن منتوج معين في وسائل الاتصال الجماهيري يجلب عدد كبير من المستهلكين أكثر من عرض المنتوج في السوق وكلما زاد الإعلان عن المنتوج تضاعف عدد المستهلكين وزاد اقتناؤهم لهم.
4) توليد المقولبات: والمقولبات تعني التصنيف الاجتماعي لجماعات أو أناس معينة أي تميل إلى تحديد الناس حيث هم متشابهين في أشياء معينة وهم شخصية متماثلة وذلك عن طريق الرموز.(1)
مثال: فالجزائريين يصنفون من بين العرب وهذا يعني العرب=الجزائريين.
- الطبقات مختلفة في المجتمع فالعمال يصنفون من بين الطبقات الاجتماعية في المجتمع.
- أو من المهنة=طبيب أو مهندس أو إعلامي أو صحفي.
- جماعات منحرفة= يصنفون من بين المراهقين.
وبالتالي تختص وسائل الثقافة الجماهيرية بإعطاء التصنيفات لمختلف أفراد المجتمع.
المبحث الرابع: مضامين الثقافة الجماهيرية بين النظرية الوظيفية والنقدية:
1) مضامين الثقافة الجماهيرية من خلال النظريات الوظيفية:
هناك نخبة من المفكرين والباحثين أيدوا ووقفوا إلى جانب وسائل الاتصال الجماهيرية والمضامين المتنوعة التي تقدمها وقدموا في ذلك تبريرات كما سعوا إلى تواجدها داخل المجتمعات ومن أمثالهم ألبز جيرار و كوبر الهولندي و طه حسين المصري، حيث نظر هذا الأخير نظرة تفاؤل لهاته الوسائل والمضامين التي تحملها والمجسدة في البرامج المقدمة من ترفيه وتسلية وتثقيف وتوعية...إلخ.
وأما رايت ملز فيرى بأن وسائل الاتصال الجماهيرية والثقافات التي تقدمها هي ظاهرة فعالة بحيث تعطينا شعورا بالانتماء والروح المعنوية العالية وتجعلنا نهرب من الواقع الشاق كما أصبح الأفراد يستقون مفاهيمهم عن البرامج المقدمة وليس من تجاربهم الشخصية.(1)
وأما هيرمن يوسجر دعا إلى ضرورة الاهتمام بالثقافة الجماهيرية كبديل ترفيهي واستطاعت تحقيق ما حققه الفولكلور من متعة وتفاعل نفسي كما أكد واضعو نظريات وسائل الإعلام الأولون على أن هناك عوامل تضع وسائل الاتصال جماهيرية قوية كالتعقيد الاجتماعي توافق الرأي المحدود، والابتعاد النفسي والعزلة واعتمدوا على منطق دور كايم وفي ظل هذه الظروف والحشد المنعزل يمكن إقناع الأشخاص بسهولة وتعتبر مواقفهم بواسطة وسائل الإعلام والاتصال.
2) مضامين الثقافة الجماهيرية من خلال النظرية النقدية:
ترى نخبة من المفكرين والفلاسفة، انتقدوا مضامين وسائل الاتصال الجماهيرية ورأوا أن لها آثارًا سلبية على الفرد والمجتمع وأبرز المدارس النقدية هي مردسة فرانكفورت الألمانية وتركز اهتمامها على الثقافة الجماهيرية وحاول كل من آدورنوا ماكس ويبر و آلبرت ماركيوس التصدي لهذه الثقافة ولفهم الظاهرة الاتصالية في المجتمعات الغربية وهي مصدر للإساءة وسبب في تسطيح الأذواق، كما أعطت الصناعة الثقافية مجتمع ذو بعد واحد والأفراد يتفهمون الواقع المفروض عليهم والذي يلبون فيه رغباتهم. فالأفراد يتفهمون هذه الثقافة رغم الحقيقة، وأصبح تابعا لها. كما ظهرت آراء أخرى خلال القرن 18 و 19 بالإضافة إلى مدرسة فرانكفورت وأشهرها ماكدونانالد ويصفها بأنها هابطة واستغلالية ويقول: "الثقافة الجماهيرية مفروضة من فوق يصفها رجال الأعمال وجمهورها مستهلك ولديهم الاختيار في أن يشتروا أو لا يشتروا بالإضافة إلى ماكدونالد غيرسرغ كليمونت برفاس وهاجم هذا النوع الثقافي واعتبروها شكلا من أشكال التفاهة الحديثة.
كما حدد النقاد والباحثين المختصون في دراسة اللذة الإعلامية جملة من الانتقادات من بينها:
- في أن المادة الإعلامية تلعب دورًا في تنشئة الثقافة والجانب الفكري للفرد والمجتمع.
- التركيز على التسلية أكثر من المعلومات.
- الاعتماد على الإثارة أكثر من الترويح.
- غياب التنوع في البرامج.
- عن رفض محاربة وظيفة الرأي مشاهدة حصة تكون رأي.
- احتواءها على الذوق الرديء وعدم وجود هدف اجتماعي كمكافحة الظواهر الاجتماعية في المجتمع ونشر التوعية والإرشاد.(1)
كما تفرض الأفلام والبرامج للنقد من طرف نقاد المادة الإعلامية حيث أصبح الجمهور يبحث عما يروح عن النفس ويحقق البهجة والسرور وتمضية الوقت والترفيه والتسلية، كما يعرض الإعلانات إلى الانتقادات ووصفت بأنها هزلية ومخزية كذلك يتم بثها في منتصف البرامج أو اللقطات المشوقة وهي حاملة مادة سامة أو منحرفة كذلك ارتفاع بيئة المبالغة وعدم مصداقيتها وصحتها كما تم التنديد بضرورة القيام بحملة تصحيحية لمضمون المادة الإعلامية لكونها حاملة لرسالة تثقيفية.
المبحث الثالث: علاقة الثقافة الجماهيرية بالمجتمع:
هناك علاقة تكاملية بينها فبوجود المجتمع توجد ثقافة جماهيرية وبغياب المجتمع تصبح الثقافة الجماهيرية لا معنى لها ذلك أن هذه المحتويات والمنتجات الثقافية خلقت أصلا لهذا الجمهور وتلبية احتياجاته الثقافية المتنوعة ولكن قد تكون لهذه الثقافة والمحتويات انعكاسات سلبية وإيجابية على الجمهور المتلقي لما تتضمنه من مضامين ومحتويات متنوعة وقد تنعكس هذه المحتويات بالإيجاب على الفرد كأن يكتسب معارف وثقافات ويشبع حاجياته الثقافية، ويشبع حاجياته الثقافية ويصبح لديه رصيد واسع من المعلومات في شتى المجالات وهذا سيؤدي إلى تحسين سلوكه وتعديله ويؤثر هذا على المجتمع طبعًا.
وقد تنعكس على الفرد خاصة والمجتمع عامة، كأن يصبح الشباب ونتيجة للمشاهدة المستمرة لهذه الوسائل وما تحمله من مضامين إلى أن يصبح متلقي سلبي إلى ظواهر كالغلو في اللامنطقية أو إلغاء العقل في خضم الأشياء والعلاقات تحصل لكثرة مشاهدة الأفلام الفضاء والصحون الطائرة ومشاهدة أفلام العنف كذلك قد تؤدي إلى الشعور بالإحباط أحيانا خاصة لأنها أصبحت مجرد دمية تستخدم في الترويج للسلع أو لأفلام الجنس..إلخ. وهذا ما ينعكس على المجتمع.
خاتمـة:
وأخيرا أقول أن تواجد وسائل الإعلام سواءًا كانت سمعية أو بصرية أو مكتوبة في حياتنا ضروري ولا يمكن الاستغناء عنها، ويجب على هذه الوسائل أن تؤدي رسالتها على أكمل وجد وذلك ببث ونشر محتويات ومواد إعلامية بناءة ومضامين التي تخدم الفرد بالدرجة الأولى والمجتمع بالدرجة الثانية.
وعلى الفرد أن يكون محاطًا بنوع من الإدراك والوعي والحيطة ويعرف كيف يتعامل معها وأن لا يكون متلقي سلبي فيأخذ ما هو بحاجة إليه ويترك الباقي.
عرفت وسائل الإعلام والاتصال خلال القرن 20 وبعده تطورا سريعا من ناحية الكم والنوع وأصبحت تشكل جزءًا من حياة الإنسان المعاصر، كما راح هذا التطور يؤثر على الجانب المادي والفكري من حياة البشر واستطاعت هذه الوسائل أن تلف حولها جماهير غفيرة في وقت وجيز، كما ظهرت بفضل هذا التطور مفاهيم جديدة لم تكن موجودة من قبل كالثقافة الجماهيرية، وأصبحت العديد من التعبيرات مألوفة بعدما كانت متناقضة من قبل كالسلع الثقافية الصناعية الثقافية، كما كان ينتظر أن تعطي تكنولوجيا المعلومات الحديثة دافعا قويا يكسبه قوة الانتشار ووضوح الرسالة سقطت العديد من الأنشطة الثقافية، في ممارسات همشت الثقافة من خلال نشر صور العنف، المحتوى الترفيهي ذو المضمون التافه وإذاعة الأنباء السطحية.
كما تم طرح عدة إشكاليات حول وسائل الإعلام وما تقدمه من مضامين وكذلك إشكالية الفاصلة بين الثقافة الجماهيرية والنخبوية وعن مدى تأثير هذه المضامين والمحتويات على الجمهور المتلقي
ولكن بعد عرضنا لهذه الوسائل وما صاحبه من ظهور مفاهيم جديدة فماهية كل واحد منهم؟ وكيف ظهرت إلى الوجود وما هي العلاقة القائمة بينهم، وما هي مختلف وجهات النظر حول المضامين التي تقدمها؟.
الفصل الثالث: ماهية الثقافة الجماهيرية:
المبحث الأول: مفهومها:
وتشير إلى نطاق واسع من الثقافات الشعبية وتشمل الترفيهات العروض الموسيقية.
وقد عرفها عبد الرحمان عزي: على أنها هي تلك المحتويات التي تبثها وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية في المجتمع التقني الواسع ويشترط في وجودها المجتمع الجماهيري.(1)
- ويمكن حصر مجموعة التعاريف التي أعطيت للثقافة الجماهيرية:
يرى البعض أنها كل التعبيرات والمواد الثقافية التي تنشرها وسائل الاتصال الجماهيرية، ويرى آخرون أن الثقافة الجماهيرية تقوم في البداية على تطوير وسائلها الخاصة وعلى رأسها الراديو والسينما.
وعامة يشير الاستخدام الشائع لاصطلاح الثقافة الجماهيرية إلى السلع المصنعة من السوق الجماهيرية التي تقدم صور منطقية والتي يستجيب لها الجمهور على عكس الثقافة العليا التي تقدم مضمون تراعي فيه التقاليد الجمالية كما تعتبر الثقافة الجماهيرية هابطة، كما أن مستواها أدنى من مستوى الثقافة العليا ولهذا كانت محور أفكار الدراسة النقدية.
المبحث الثاني: أسباب ظهورها.
إن التغيير الذي صاحب ظهور الثورة الصناعية وظهور التكنولوجيا وتوسع الأنشطة الإجمالية داخل المجتمع زاد من وقت الفراغ الاجتماعي وهذا ما ولد حاجة الناس المتزايدة للمعلومات والثقافة والترفيه ظهور وسائل اتصال جماهيرية وكان سببا لظهور مشكلة إعلامية جديدة عرفت في القرن 20 بظاهرة الثقافة الجماهيرية أي المضمون الثقافي الهابط(2) والذي نشرته وسائل الإعلام في النصف الثاني من القرن 19 وبداية القرن 20، كما لعبت الطباعة دورًا في تطور المجتمع الجماهيري وسميت بإمكانية التوزيع والنشر إلى أعداد هائلة من الأفراد، كما حطمت الديمقراطية السياسية التعلم الشعبي واحتكار الطبقة العليا في القديم للثقافة وبدأ دور الجماهير يظهر إلى الوجود والحياة كما وجدت المشروعات التجارية سوق مربحة لإشباع الطلبات الثقافية للجماهير وسمح التطور إمكانية إنتاج السلع من المطبوعات بمكيات ضخمة وبأبعاد منخفضة لإشباع حاجيات الطبقات الجديدة.
المبحث الثالث: أنواعها وخصائصه.
أ- انواعه: هناك ثلاثة أنواع من الثقافات:
1) الثقافة العليا أو الراقية: وتشير إلى العمل الدؤوب الذي تقدمه الموهبة العظيمة والعبقرية إذ يحاول نشر أقصى درجات الفن الذي صنعته الهوة الثقافية وهي ثقافة النخبة والموهبة الخلاقة وأصول النقد والفكر والأدب والفنون ونمتا بمراعاتها للتقاليد الجمالية.(1)
2) الثقافة الجماهيرية: وتشير إلى السلع الثقافية المنتجة فقط من أجل السوق الجماهيري وهي سلع متماثلة متشابهة تميل إلى إرضاء أذواق الجمهور المتنوع وفقا هذه الثقافة تجذب وليست أصيلة تمامًا.
3) الثقافة الشعبية الفن الشعبي: وهو الموهبة الطبيعية للشخص العادي الذي ينتمي إلى الطبقة الشعبية الأغاني، والرقص الشعبي والرسوم البدائية وقد استمدت الثقافة الجماهيرية مضمونها من الثقافة الشعبية وكانت هي الأولى قبل انتشار وسائل الاتصال، وكانت تختلف عنها تمامًا. فالثقافة الشعبية حتى قيام الثورة الصناعية كانت موجهة للجماهير العادية كما أحدثت فنونهم الشعبية ثورة فصلتهم عن الثقافة الرفيعة وأما الثقافة الجماهيرية فكانت مفروضة من رجال الأعمال أو لوردات الثقافة الجماهيرية واستغلوها لإشباع حاجيات الجماهير الثقافية وتحقيق مكاسب تساعدهم على الاحتفاظ بنفوذهم الطبقي ولكن حطمت الثقافة الجماهيرية فيما بعد الجدار بين الثقافة العليا والثقافة الشعبية، حيث أدمجت قطاعات الشعب المختلفة وقدمت لهم كمًا يقول البعض ثقافة رفيعة هابطة وعليه فإن مادة الثقافة الجماهيرية استمدت مضمونها من نوعين هما: الفن الراقي والفن الشعبي.(1)
ب- خصائص الثقافة الجماهيرية: وتتميز أربع (4) خصائص منها:
1) النمطية والمعيارية: فكل أشكال الثقافة المتنوعة التي تبثها وتنشرها وسائل الإعلام من مسلسلات وأفلام ومسرحيات وموسيقى وأشرطة، فهي منتجة حسب شكل معين وحسب النمطية السائدة في المجتمع.(2)
مثال: فالتلفزيون ينتج منتوجات نمطية مثل الكراهية، الحب، الغيرة، الحقد...إلخ.
فالمسلسل الجزائري يحاول أن ينمط إنتاجه حسب النمطية السائدة لأن أذواق الناس قد ربيت على هذا النمط وهذا ضمانًا لنجاح المنتوج فالثقافة الجماهيرية تختص بالنمطية المعيارية إذ ما دام كل الناس متماثلين وأسلوب كمعيشتهم واحد استهلاكهم واحد لهذا نقدم لهم محتوى واحد كما يوجد المحتوى النمطي أيضا في المواد الخالية والدرامية والترفيهية.
2) ترسيخ قيم الامتثالية: تعمل على تثبيت الأنماط الاجتماعية والثقافية السائدة أي أنها كسرت الحواجز القديمة للطبقة والتقاليد والذوق وأذابت كل التمايزات الثقافية وهي تمزج كل شيء معًا لننتج ما يمكن تشميته بالثقافة المتجانسة والمتماثلة.
مثال: مشاهدة الجمهور لمحتوى نمطي أو اجتماعي أو ديني أو بوليسي أو تاريخ ...إلخ فإن تلك القيم التي تشاهدها تبقى راسخة في ذهنه وتبقى مثالا لا يحتذى به ويقلدها.
3) تنمية النزعة استهلاكية: وذلك بالاعتماد على الإشهار وتسويق البضاعة المادية وارتباطها بالترفية وملأ وقت الفراغ.
مثال: فالإعلان عن منتوج معين في وسائل الاتصال الجماهيري يجلب عدد كبير من المستهلكين أكثر من عرض المنتوج في السوق وكلما زاد الإعلان عن المنتوج تضاعف عدد المستهلكين وزاد اقتناؤهم لهم.
4) توليد المقولبات: والمقولبات تعني التصنيف الاجتماعي لجماعات أو أناس معينة أي تميل إلى تحديد الناس حيث هم متشابهين في أشياء معينة وهم شخصية متماثلة وذلك عن طريق الرموز.(1)
مثال: فالجزائريين يصنفون من بين العرب وهذا يعني العرب=الجزائريين.
- الطبقات مختلفة في المجتمع فالعمال يصنفون من بين الطبقات الاجتماعية في المجتمع.
- أو من المهنة=طبيب أو مهندس أو إعلامي أو صحفي.
- جماعات منحرفة= يصنفون من بين المراهقين.
وبالتالي تختص وسائل الثقافة الجماهيرية بإعطاء التصنيفات لمختلف أفراد المجتمع.
المبحث الرابع: مضامين الثقافة الجماهيرية بين النظرية الوظيفية والنقدية:
1) مضامين الثقافة الجماهيرية من خلال النظريات الوظيفية:
هناك نخبة من المفكرين والباحثين أيدوا ووقفوا إلى جانب وسائل الاتصال الجماهيرية والمضامين المتنوعة التي تقدمها وقدموا في ذلك تبريرات كما سعوا إلى تواجدها داخل المجتمعات ومن أمثالهم ألبز جيرار و كوبر الهولندي و طه حسين المصري، حيث نظر هذا الأخير نظرة تفاؤل لهاته الوسائل والمضامين التي تحملها والمجسدة في البرامج المقدمة من ترفيه وتسلية وتثقيف وتوعية...إلخ.
وأما رايت ملز فيرى بأن وسائل الاتصال الجماهيرية والثقافات التي تقدمها هي ظاهرة فعالة بحيث تعطينا شعورا بالانتماء والروح المعنوية العالية وتجعلنا نهرب من الواقع الشاق كما أصبح الأفراد يستقون مفاهيمهم عن البرامج المقدمة وليس من تجاربهم الشخصية.(1)
وأما هيرمن يوسجر دعا إلى ضرورة الاهتمام بالثقافة الجماهيرية كبديل ترفيهي واستطاعت تحقيق ما حققه الفولكلور من متعة وتفاعل نفسي كما أكد واضعو نظريات وسائل الإعلام الأولون على أن هناك عوامل تضع وسائل الاتصال جماهيرية قوية كالتعقيد الاجتماعي توافق الرأي المحدود، والابتعاد النفسي والعزلة واعتمدوا على منطق دور كايم وفي ظل هذه الظروف والحشد المنعزل يمكن إقناع الأشخاص بسهولة وتعتبر مواقفهم بواسطة وسائل الإعلام والاتصال.
2) مضامين الثقافة الجماهيرية من خلال النظرية النقدية:
ترى نخبة من المفكرين والفلاسفة، انتقدوا مضامين وسائل الاتصال الجماهيرية ورأوا أن لها آثارًا سلبية على الفرد والمجتمع وأبرز المدارس النقدية هي مردسة فرانكفورت الألمانية وتركز اهتمامها على الثقافة الجماهيرية وحاول كل من آدورنوا ماكس ويبر و آلبرت ماركيوس التصدي لهذه الثقافة ولفهم الظاهرة الاتصالية في المجتمعات الغربية وهي مصدر للإساءة وسبب في تسطيح الأذواق، كما أعطت الصناعة الثقافية مجتمع ذو بعد واحد والأفراد يتفهمون الواقع المفروض عليهم والذي يلبون فيه رغباتهم. فالأفراد يتفهمون هذه الثقافة رغم الحقيقة، وأصبح تابعا لها. كما ظهرت آراء أخرى خلال القرن 18 و 19 بالإضافة إلى مدرسة فرانكفورت وأشهرها ماكدونانالد ويصفها بأنها هابطة واستغلالية ويقول: "الثقافة الجماهيرية مفروضة من فوق يصفها رجال الأعمال وجمهورها مستهلك ولديهم الاختيار في أن يشتروا أو لا يشتروا بالإضافة إلى ماكدونالد غيرسرغ كليمونت برفاس وهاجم هذا النوع الثقافي واعتبروها شكلا من أشكال التفاهة الحديثة.
كما حدد النقاد والباحثين المختصون في دراسة اللذة الإعلامية جملة من الانتقادات من بينها:
- في أن المادة الإعلامية تلعب دورًا في تنشئة الثقافة والجانب الفكري للفرد والمجتمع.
- التركيز على التسلية أكثر من المعلومات.
- الاعتماد على الإثارة أكثر من الترويح.
- غياب التنوع في البرامج.
- عن رفض محاربة وظيفة الرأي مشاهدة حصة تكون رأي.
- احتواءها على الذوق الرديء وعدم وجود هدف اجتماعي كمكافحة الظواهر الاجتماعية في المجتمع ونشر التوعية والإرشاد.(1)
كما تفرض الأفلام والبرامج للنقد من طرف نقاد المادة الإعلامية حيث أصبح الجمهور يبحث عما يروح عن النفس ويحقق البهجة والسرور وتمضية الوقت والترفيه والتسلية، كما يعرض الإعلانات إلى الانتقادات ووصفت بأنها هزلية ومخزية كذلك يتم بثها في منتصف البرامج أو اللقطات المشوقة وهي حاملة مادة سامة أو منحرفة كذلك ارتفاع بيئة المبالغة وعدم مصداقيتها وصحتها كما تم التنديد بضرورة القيام بحملة تصحيحية لمضمون المادة الإعلامية لكونها حاملة لرسالة تثقيفية.
المبحث الثالث: علاقة الثقافة الجماهيرية بالمجتمع:
هناك علاقة تكاملية بينها فبوجود المجتمع توجد ثقافة جماهيرية وبغياب المجتمع تصبح الثقافة الجماهيرية لا معنى لها ذلك أن هذه المحتويات والمنتجات الثقافية خلقت أصلا لهذا الجمهور وتلبية احتياجاته الثقافية المتنوعة ولكن قد تكون لهذه الثقافة والمحتويات انعكاسات سلبية وإيجابية على الجمهور المتلقي لما تتضمنه من مضامين ومحتويات متنوعة وقد تنعكس هذه المحتويات بالإيجاب على الفرد كأن يكتسب معارف وثقافات ويشبع حاجياته الثقافية، ويشبع حاجياته الثقافية ويصبح لديه رصيد واسع من المعلومات في شتى المجالات وهذا سيؤدي إلى تحسين سلوكه وتعديله ويؤثر هذا على المجتمع طبعًا.
وقد تنعكس على الفرد خاصة والمجتمع عامة، كأن يصبح الشباب ونتيجة للمشاهدة المستمرة لهذه الوسائل وما تحمله من مضامين إلى أن يصبح متلقي سلبي إلى ظواهر كالغلو في اللامنطقية أو إلغاء العقل في خضم الأشياء والعلاقات تحصل لكثرة مشاهدة الأفلام الفضاء والصحون الطائرة ومشاهدة أفلام العنف كذلك قد تؤدي إلى الشعور بالإحباط أحيانا خاصة لأنها أصبحت مجرد دمية تستخدم في الترويج للسلع أو لأفلام الجنس..إلخ. وهذا ما ينعكس على المجتمع.
خاتمـة:
وأخيرا أقول أن تواجد وسائل الإعلام سواءًا كانت سمعية أو بصرية أو مكتوبة في حياتنا ضروري ولا يمكن الاستغناء عنها، ويجب على هذه الوسائل أن تؤدي رسالتها على أكمل وجد وذلك ببث ونشر محتويات ومواد إعلامية بناءة ومضامين التي تخدم الفرد بالدرجة الأولى والمجتمع بالدرجة الثانية.
وعلى الفرد أن يكون محاطًا بنوع من الإدراك والوعي والحيطة ويعرف كيف يتعامل معها وأن لا يكون متلقي سلبي فيأخذ ما هو بحاجة إليه ويترك الباقي.