إشكالية الفواصل الإشهارية التلفزيونية
تزحم الساحة الإشهارية اليوم بمجموعة من الإشكاليات الّتي نتجت عن كثرة استعمال الإشهار في الوسائط الإعلامية، بالشكل الّذي يجعل منه إضافة قد تكون مفيدة أو غير مفيدة للجمهور، ونتيجة لهذا الانتشار لابدّ من النظر إليه بأنّه سيل متدفّق من العناصر الّتي قد تؤثّر على المتلقي، وعلى الرغم من توفّر الكم الهائل من الدراسات المرتبطة به، إلاّ أنّ هناك بعض الإشكاليات الّتي تتحكّم في ممارسته واستخدامه نتطرّق إليها فيما يلي:
- تأثيرات الإشهار التلفزيوني
يعدّ الإشهار التلفزيوني بمثابة رسالة اتصالية تهدف إلى استثارة دوافع المتلقي من جوانب عدّة، أبرزها حثّه على اقتناء السلعة الّتي تتمتّع بقدر كبير من المزايا.
لكن، وعلى الرغم من قصر المدّة الزمنية للومضة الإشهارية التلفزيونية الواحدة، إلاّ أنّ مدّة تأثيرها قد تكون عميقة، خاصة عندما يتكرّر عرضها أكثر من مرّة حتّى تصبح مطبوعة في ذهن المتلقي، ومن ثمّة فإنّ دراسة العلاقة التأثيرية المتبادلة بين الإشهار التلفزيوني والجمهور المستهدف يمثّل إشكالية مهمّة، فالجمهور هو الّذي يصدر الحكم بنجاح أو فشل الإشهار التلفزيوني، وهو الّذي يَقْبَلُ أو يرفض المعلومات الّتي تعرضها الرسالة الإشهارية، لذلك فالإشهار التلفزيوني الناجح هو ذلك الّذي يأخذ بعين الاعتبار طبيعة الجمهور المستهدف، باعتباره نظاما متكاملا ومتفاعلا من السّمات الديمغرافية والسوسيو- ثقافية المختلفة.
إذن، يعدّ الإشهار التلفزيوني عملية تفاعل في حدّ ذاته؛ تخلق تأثيرات مختلفة من خلال مستويات عدّة نوجزها فيما يلي:
التأثير الثقافي: يعكس الإشهار التلفزيوني ثقافة منتجه، وبالتّالي فإنّه يمثّل مجموعة من القيم والسلوكيات الّتي تهدف إلى إحداث التأثير الثقافي عند الجمهور المستهدف، حيث يرى بعض المختصّين في ميـدان الإعـلام، أنّ الإشـهار الـتلفزيوني يـُعتبَر من أكثـر أجهزة الثقافة
انتشارا وقوّة وإقبالا عند الناس، لذلك ينظرون (المختصّين) إليه بأنّه عدسة الثقافة الّتي تسجّل معالم العَالَم المختلف ويؤكّد ذلك (جورج فريدمان) فيما يلي: " يعدّ التلفزيون ببرامجه وإشهاراته المتنوّعة مدرسة شاملة يمكنها أن تقدّم الثقافة للجماهير، حيث يلقى فيها كلّ من المربي، وعَالِم الاجتماع، ورجل الاختراع شيئا من آرائه وتجاربه الّتي يعيشها في الحياة ".
إذ يحدث هذا التأثير عندما يقوم المتلقي باستهلاك السلعة الّتي تعبّر عن القيم الموجودة فيها (مثلا: منتوج " كوكا كولا " ما هو إلاّ مجموعة من القيم يعمل المعلن على إبرازها من خلال إبراز مزايا السلعة وأهدافها).
التأثير الاجتماعي: يؤثّر الإشهار التلفزيوني في المجتمع عن طريق الإخبار والتّعريف بكل ما هو جديد في مجال السلع، ضف إلى ذلك تكمن قوّة التأثير الاجتماعي للإشهار التلفزيوني من خلال تأثيره على الإدراك المعرفي للأفراد حول مختلف السلع لحثّهم على تبنّي سلوك الشراء، أو مساعدتهم على الاختيار بين البدائل المتوفّرة في السوق، وذلك عن طريق توفير المعلومات التفسيرية اللاّزمة، فقد يؤدّي الإشهار التلفزيوني إلى إحداث التغييرات من خلال تدعيم عناصر الانتماء الاجتماعي عن طريق تحديد ما هو مستحب وغير مستحب من أنماط السلوك ومختلف التصرفات.
ويرى بعض المختصّين في ميدان الإشهار، أنّ هناك عوامل عديدة تؤثّر على تغيير نمط الحياة، وبالتالي على نوع الطلب وحجمه، فارتفاع مستوى التعليم والتقدم التكنولوجي وارتفاع الدخل، كلّها عوامل تؤدّي للتغيير في الطلب على مختلف المنتجات.
إذن، يشكّل الإشهار التلفزيوني علاقة تفاعلية بينه وبين الجمهور ، وكلاهما يؤثّر على الآخر، إلاّ أنّ هناك تأثيرات أخرى، أهمّها تلك التأثيرات الاقتصادية الّتي يمارسها على مستوى المؤسسات الاقتصادية عامة، والمؤسسات الإعلامية خاصة، إذ لا يمكن لهذه الأخيرة الوقوف على رجليها إذا تخلّت عنه، لأنّه يعتبر التأثير الفعّال في اقتصادياتها.
ومن جهة أخرى هناك تأثيرات أخرى، خاصة تلك التأثيرات*الّتي تحدث على مستوى تلقي الجمهور للبرامج التلفزيونية، إذ يجد نفسه بين لحظة وأخرى معرّضا لكم هائل من الومضات الإشهارية، تقطع عملية مشاهدته وتلقيه للبرنامج المتابع، ممّا قد يؤدّي إلى إحداث تأثيرات وتغييرات على مستوى فهمه وذوقه للبرنامج، إذ أصبحت هذه الفواصل الإشهارية تفرض نفسها على المشاهد، وقد يجد هذا الأخير نفسه إمّا مجبرا لمشاهدتها أو العزوف عنها والقيام بسلوكيات أخرى، ولذلك لابدّ من النظر للإشهار التلفزيوني ودراسته دراسة معمّقة ووافية للوصول إلى الأهداف المرجوّة والمسطّرة عند كلا الطرفين: المعلن والجمهور المستهدف.