الإعلام و الاتصال و الإبلاغ
د. عبد الرحمن عزي
قسم الإعلام، جامعة الإمارات
و قد ساهمت اللغات الأجنبية أيضا في إحداث هذا الترادف أو الخلط بين الإعلام و الاتصال فكلمة (Communication) تشير إلى الإعلام و الاتصال معا كقولهم (Personal Communication) أي الاتصال الشخصى و (Mass Communication) أي الاتصال أو الإعلام الجماهيري. وهم يضيفون حرف (s) على كلمة (Communication) فتصبح (Communications) و يقصدون بذلك وسائل الاتصال مثل الهاتف و الأقمار الصناعية (و البعض يسميها الاصطناعية) و الألياف الضوئية (والبعض يسميها الألياف البصرية) و الحاسب و ليس وسائل الإعلام مثل الصحيفة و الإذاعة و التلفزيون. أما الفرنسيون فيضيفون كلمة ( Information ) إلى كلمة (Communication ) للتمييز بين الإعلام و الاتصال كقولهم علوم الإعلام و الاتصال (Sciences de l' Information et de la Communication ) ، غير أن كلمة (Information) لا تعني بالضرورة الإعلام بل المعلومة كقول الإنجليز و الأمريكيين (Information Technology) أي تكنولوجيا المعلومات و ( Information Society) أي مجتمع المعلومات، الخ.
إن العودة إلى القاعدة اللغوية المذكورة أعلاه تساعدنا في التمييز بين الإعلام و الاتصال إضافة إلى كلمة الإبلاغ الأكثر قدما من الإعلام و الاتصال. فكلمة الإعلام في نظرنا تتضمن الخبر (بخصائصه: الأهمية و الآنية) و الوسيلة و الجمهرة و التدفق الأحادي نسبيا. ينطبق ذلك على الصحيفة و المجلة و الإذاعة و التلفزيون. أما الكتاب و المسرح و السينما فيعدم فيها الخبر ومن ثم فهي اتصال. و تغيب الجمهرة في وسائل الهاتف و الفاكس و (التلكس) ومن ثم فهي وسائل اتصال وليست وسائل إعلام. أما الحاسب و الشبكات المعلوماتية فهي تجمع الاتصال و الإعلام إذ توجد وسائل الإعلام في هذه الوسيلة ومن ثم سميت بالإعلام المتعدد أي أنه وسيلة اتصال و إعلام. أما كلمة الاتصال فيتضمن التدفق المتبادل لا الأحادي النسبي ، وهذا ما نجده في الأصل اللاتيني لكلمة ( Communication ) أي ( Communis) أي الاشتراك ثم اشتقت كلمة ( Commun) أي المشترك وما يشترك فيه أفراد المجتمع ثم كلمة ( Community) أي الجماعة فكلمة ( Communication ) أي الاتصال. و عليه، فما يدور بين أفراد المجتمع من تفاعل هو اتصال إذ يتضمن التبادل المشترك. وفي هذه الحالة، يكون المحتوي أشمل من الخبر و تغيب الوسيلة التقنية و الجمهرة و التدفق الأحادي النسبي. أما الترادف الجزئي بين الإعلام و الاتصال فيكمن في قول البعض أن كل إعلام هو اتصال و ليس كل اتصال إعلام. و يمكننا في هذا المستوي أن ندخل كلمة الإبلاغ (من التبليغ) وهي أقدم و أبلغ كما تشير الكلمة من الإعلام و الاتصال ، أي في الإبلاغ بلاغة. و قد ارتبط الإبلاغ بالقيم وليس بالخبر ضرورة، فيقال أعلمته بالخبر وأبلغته الرسالة. و يشتق من الإبلاغ محتوي القيم أي البلاغ المبين. وفي نظرنا فإن الأصح أن نقول الدعوة و الإبلاغ و ليس الدعوة و الإعلام لأن الإبلاغ يخص محتوي غير محدد بالزمان و المكان بينما يخص الإعلام الخبر الذي يتحول إلى التاريخ فور فقدانه عنصر الآنية. و يمكن أن تستخدم الدعوة الصحف و المجلات و الإذاعة و التلفزيون في إبلاغ الجمهور بالرسالة شأنها في ذلك شأن التربويون الذين يستخدمون التلفزيون و الحاسب في التعليم و يسمون ذلك بتكنولوجيا التعليم ( Educational Technology) و لا بأس في هذه الحالة من استخدام تكنولوجيا الدعوة اقتداء بمصطلح التربويين.
بقي أن نختم بالقول أن التعدد في تعريف الكلمات ثراء ما لم يؤدي ذلك إلى الترادف و الخلط، وقد يؤدي التداخل غير المبرر إلى سوء الفهم و شعور المتلقي بما شعره أعرابي قديما عندما مر يوما على جماعة من النحاة يتجادلون في قواعد نحوية متداخلة كثيرا، ولما لم يفهم كلامهم قال لهم: تتكلمون في كلامنا بكلام ليس من كلامنا! و القاعدة المطلوبة في هذا الإطار أن تستخدم الكلمة في موضعها الحقيقي، فلكل مقام مقال أو، دون أن نرادف ذلك، لكل مجال حديث.